«حافة 17» يعيد سينما الشباب إلى الواقعية

منوعات

تُعتبر سن المراهقة من أصعب المراحل العمرية في حياة أي إنسان؛ سواء كان المراهق نفسه أم والديه أم أشقاءه. إنها تلك المرحلة التي تحدث فيها التغيرات الهرمونية في جسم الإنسان، فيصبح الصبي رجلاً، وتتحول الفتاة إلى امرأة.

المراهقة ليست فقط تغيرات جسدية، بل هي تحولات فكرية، يبدأ الصبي بالتفكير كرجل، ويحاول إثبات نفسه لوالديه بتبني نهج الاستقلال في كل ما يفعله. والمنطق نفسه يجري على الفتاة التي تريد إثبات أنوثتها.

تلك التحولات الفكرية قد تمر بأفكار مضطربة، تنتج عنها أفعال جنونية، يفعلها الاثنان دون إدراك منهما، ثم عندما يكبران يستوعبان حقيقة ذلك الجنون. كالصبي الذي يستخدم أدوات حلاقة والده، ويذهب لحلق لحية نصف نابتة على وجهه، فيجرح نفسه، لعدم تمرس يده على تمرير تلك الأداة على الوجنة. وكالفتاة التي تستعير أدوات مساحيق التجميل الخاصة بوالدتها، وتصبغ وجهها لإثبات أنها امرأة تفهم في أمور الكبار.. إنها المراهقة بجنونها.

المراهقة هي مرحلة بحث عن الذات في المقام الأول، ومحاولة إعادة اكتشاف النفس. تتغير اهتمامات الرجل والمرأة معاً، ويحاولان إعادة التكيف مع نفسيهما الجديدتين، ومحاولة إعادة التكيف مع المجتمع الذي يعيشان فيه ويتعاملان معه.

واقع افتقدناه

تلك التجربة الصعبة نشاهدها في فيلم The Edge of Seventeen أو «حافة 17»، الذي يعرضها في أقرب صورة ممكنة إلى الواقع. ليس هذا هراء أفلام الشباب البالغين، الذين يتقاتلون في مجتمع مقهور بأمر من الحكومة أو رئيس دكتاتوري، كما شاهدنا في أفلام كثيرة بداية هذا العقد، وليس من موجة سينما الشباب البائسة عن مصاصي دماء يقعون في حب مستذئبين، التي برزت وراجت في العقد الماضي. هذا فيلم عاد بنا إلى واقع افتقدنا وجوده في السينما، بل ظننا أنه لن يعود. واقع يذكّر كثيراً بسينما الشباب الجميلة التي صنعها جون هيوز في ثمانينات القرن الماضي.

الفيلم عن نادين بيرد (هيلي شتاينفيلد – لمن لا يتذكرها ـ هي تلك الطفلة الموهوبة التي ترشحت للأوسكار من خلال فيلم True Grit). مراهقة ذكية وانطوائية نوعاً ما. صديقتها الوحيدة منذ طفولتها أفضل منها قليلاً من ناحية التكيف مع المجتمع، واسمها كريستا (هالي لو ريتشاردسون). شقيقها الأكبر داريان (بليك جينر) هو الفتى الذهبي المثالي في البيت والمدرسة. ووالدتها الأرملة مونا (كايرا سيغويك) مشغولة جداً بوظيفتها لإعانة العائلة.

كل يوم يعتبر بائساً في حياة نادين، لأنها لا تستطيع اكتشاف حقيقة نفسها، لا تعرف ما تريده بعد. هي أنثى، لكن لا تعلم كيف توظّف أنوثتها الجديدة في مجتمعها. نراها تدخل في مشادات كلامية مع شقيقها الذي يعيش حياة مثالية، كونه جذاباً ومفضلاً من الجميع عليها، حتى من والدته التي تستدعيه كلما تحدث مشكلة بينها وبين ابنتها.

نراها تفقد عنصر الأمان مرتين في حياتها المراهقة: الأولى برحيل والدها، والثانية بانفصالها عن صديقة طفولتها كريستا التي تقع في حب شقيقها داريان، لكن يبقى هناك صديقان يمنعانها من الانهيار، هما السيد برونر (وودي هارلسون) معلم مادة التاريخ، الذي يتشارك مع نادين في حوارات جميلة وظريفة، تعكس جنونها وصبره على تمردها، هذه الحوارات تجري داخل الصف، أثناء الفسحة المدرسية، وهي من أجمل مشاهد الفيلم. بينما الثاني هو زميلها في الصف إيروين كيم (هيدين زيتو)، الذكي جداً والمهذب، الذي لا يُخفي إعجابه بها.

سياق جديد

كاتبة ومخرجة الفيلم كيلي فريمون كريغ – وهذا أول فيلم لها – تبدو واثقة من خطواتها، وتعرف طريقها تماماً. ليس ذلك فقط، بل ملمّة بتصحيح أخطاء الماضي، وإعادة وضع سينما الشباب في سياق جديد يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي والعرقي في المجتمع الأميركي، فمثلاً، إيروين شخصية أميركية من أصول كورية، لكن لا نراه مهرجاً أو مضحكاً في إطار كرتوني، كما كان يحدث منذ 20 عاماً، بل تضعه كريغ بكل ثقة في دور البطل، ومخلص شخصيتها الرئيسة من البؤس الذي تعيشه.

الملاحظ في الفيلم أن كريغ لا تتوقف عن وضع شخصيتها في مواقف مزرية لمعظم المدة الزمنية للعمل، حتى بعد مرور ثلاثة أرباع الفيلم لا يبدو أن هناك حلاً يلوح في الأفق لمشكلات نادين، بل تزداد نبرة الفيلم في القتامة، وهذا ما يعتبر جرأة في تحدي توقعات المشاهدين، وعدم الاستعجال في استرضائهم، خصوصاً أن كريغ قادمة جديدة إلى السينما، لكن قراراتها الإخراجية المتعلقة بسير أحداث القصة تعكس خبرة كبيرة.

في الوقت نفسه، فإن الاتجاه الذي تأخذ كريغ الفيلم فيه يبدو صادقاً وواقعياً، ولو قارنا ذلك بسلوك نادين سنجد أن ما يجعلها شخصية قوية في القصة هو أنها ليست لطيفة، أو بالأحرى ليست لطيفة في كل المواقف، فهي في مشهد مع برونر لا تتردد في السخرية من راتبه ومن مظهره، ورغم ذلك هو لا يرد عليها.

في مشهد آخر نادين تدخل على برونر لتقول له إنها تريد الانتحار، برونر ينظر إليها دون إعطاء كلامها أي وزن، وهو بالضبط الموقف الواقعي الذي يحدث يومياً بين الوالدين أو الراشدين والمراهقين الذين يقولون تلك الجملة تعبيراً عن عدم قدرتهم على التكيف مع المجتمع.

الظريف في المشهد أن كل من يشاهده مع برونر يعلم أنه ترفيهي بالدرجة الأولى، ما عدا نادين هي الوحيدة الجادة فيه، لأنها تعيش دراما جديدة يومياً في حياتها الجديدة، وكذلك كل المراهقين معها. شتاينفيلد تقمصت الشخصية بصورة وافية وصادقة، ولا يمكن تخيل أي ممثلة أخرى مكانها، ويمكن وصف اختيارها للدور بالمثالي. شتاينفيلد تعطي أداء جمع كل تناقضات الشخصية، والجميل أنها غير مهتمة بجعلنا منجذبين للشخصية، بل تركز كل طاقتها لإعطاء أداء صادق وهو الذي يجذبنا إليها.

المصدر: الإمارات اليوم