يوسف الديني
يوسف الديني
كاتب سعودي

سموم الملالي: الإعلام المضلل ومنطق الدولة

آراء

تعرض إعلام التضليل، الذي يستثمر فيه نظام ملالي طهران، لهزة قوية في الأسابيع الماضية، رغم الأداء المرتبك للإدارة الأميركية الجديدة في المقاربة السياسية، وذلك إثر قرار حجب منصات إعلامية إيرانية على الإنترنت بقرار من المؤسسات الأميركية بعيداً عن الشعارات التي يتم تصديرها من الطرفين؛ إما الحريات وحقوق الإنسان أو المتاجرة بالمقاومة ونصرة المظلومين، فاللحظة التي يعيشها العالم اليوم تفرض تحديات حاسمة على مستوى حماية منطق الدولة.

حجب المواقع الإيرانية التي تمثل أكبر دعاية لها في الغرب والولايات المتحدة فيما يخص نشاطاتها النووية والإرهابية، جاء بإعلان من الحكومة الأميركية، وبشكل مفاجئ. العشرات من المواقع الناطقة بالإنجليزية، التي تعمل بشكل فعال، وبلا كلل، في اقتطاع حصة كبيرة من الجمهور الغربي، أو على الأقل كسب تعاطفهم تجاه الملف النووي، وعبر إنتاج محتوى ناعم عن إيران متوسلاً تاريخها ما قبل الملالي. كما تم حجب قناة «العالم» الناطقة بالعربية التي تبث خطابها للجاليات الناطقة بالعربية بشكل أساسي، وتستهدف محتوى «تصدير الثورة» من خلال شعار المظلومية في القضايا العربية، ومنها الاستثمار الرخيص في القضية الفلسطينية، إضافة إلى استهداف أمن الخليج، وخطاب تقويض منطق الدولة واستقرارها.

خطوة متأخرة ربما من الحكومة الأميركية التي تحاول عقلنة اندفاع الخطاب السياسي باتجاه اتفاق نووي يهمل سلوك إيران التدميري ومقاربتها، التي تعبر عن مشروع آيديولوجي بات يهدد أمن العالم بمستويات متعددة، ليس آخرها تدشين كيانات ميليشياوية في البلدان العربية كبديل للدولة في العراق ولبنان واليمن.

الرد الإيراني جاء سريعاً، وهو إعادة تدوير محتوى هذه القنوات عبر نطاقات وأسماء جديدة، وهو أمر متوقع عطفاً على التجربة السابقة بإغلاق قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله»، لكن الدافع لهذه العملية هو الذي يستحق الوقوف عنده، وهو ما علقت عليه ورقة تحليلية صادرة عن «مركز أبحاث واشنطن للسياسات»، الذي أكد أن هذه الخطوة رغم أهميتها لا تعبر عن سياسات الإدارة الجديدة، وإنما هو استكمال لعملية مؤجلة تعود لما كان يسمى حملة «الضغط القصوى» لإدارة ترمب تجاه نظام طهران.

آخرون رأوا في الأمر مجرد تغطية شكلانية ربما تكون مقدمة لتنازلات كبرى في المفاوضات النووية الحالية، خصوصاً مع ارتباك المقاربة الأميركية، في ظل صعود رموز التشدد لسدة الحكم، وبلغ ذلك ذروته مع رئيس إيراني من جناح الصقور المفارقة، حسب التقرير، أنه يخضع لعقوبات أميركية.

وبين هذه التحليلات يبدو الخلل واضحاً في مقاربة الملف الإيراني داخل السياسات الأميركية، وهذا ما عكس اضطراب القرارات في التعامل مع الحالة الإيرانية، في ظل ثبات الرسائل المنسقة والمتحدة من قبل نظام الملالي، وعدم إعطاء أي تصور تفاوضي يمكن البناء عليه، سواء للإدارة الأميركية أو حتى لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الذين يقرأون هذا الارتباك في تفاصيله ومستجداته، ويمنحهم المزيد من القوة لرفض المقاربة الهشة.

وحسب ديفيد بولوك الخبير في الشأن الإيراني، فإن القرارات الجديدة لا تعكس سوى غياب التنسيق الكافي بين الوكالات الفيدرالية داخل الولايات المتحدة، التي تتعامل بشكل لا يعكس استراتيجية منتظمة مع تحديات الملف الإيراني، وحسب عبارته الذكية ما حدث هو مجرد تذكير حي بمقدار السموم للشعارات الإيرانية وخطابها الإعلامي المضاد، التي تمهد لمشروعها القاضي بدعم الإرهاب والطائفية والحروب الأهلية داخل البلدان التي يستهدفها نظام طهران… يقول هذا وهو الذي يؤكد أنه حل ضيفاً على تلك القنوات عدة مرات منذ فترة أوباما ومنها «العالم» لشرح وجهات النظر لكن دون جدوى كما يؤكد اليوم.

والحال أن اللعبة الإيرانية مكشوفة تماماً في دول المنطقة، في مقدمتها السعودية، حيث الرؤية واضحة بضرورة ربط أي ملف تفاوضي بالصورة الأكبر المتمثلة في سلوك طهران في المنطقة ومشروع الملالي التدميري، فإيران مهما حاولت ممارسة لعبة الأقنعة المزدوجة بارتداء قناع التعددية والحضارة العريقة الفارسية للغرب والولايات المتحدة، فهي لا تستطيع الذهاب بعيداً في ذلك من دون استحضار مفردات وقاموس الثورة من الشيطان الأكبر إلى نصرة المظلومين إلى الهجوم السافر على دول الاعتدال والاستقرار.

لكي نفهم ازدواجية معايير طهران، وهي تمارس ألعابها السياسية باستذكاء، في ظل هشاشة الحالة السياسية إجمالاً، يجب أن نعلم أن قناع الثورة هو أداة حشد وتعبئة قادرة على استقطاب المتعاطفين، وتعبئة الشيعة العرب المعتدلين للانتقال من مربع التشيع المذهبي إلى التشيع السياسي الذي لا علاقة له بالمسألة الدينية قدر انتمائه للآيديولوجيا الانقلابية وأدبيات ثورة الملالي، وهذا ما يفسر تعاطف شخصيات غير دينية من اليسار العربي والغربي.

القصة باختصار يفاوض حمائم طهران في ديار الغرب ببدلات أنيقة بلا ربطة عنق، بينما يسهر صقور فيلق «الحرس الثوري» للحفاظ على وجه الدولة الثوري وخلق مناطق توتر جديدة وكسب أكبر قدر من الوقت لبيع وهم اتفاقية السلاح النووي وتطويره، وهو ليس إلا ورقة سياسية ضاغطة تمارسها إيران ببطء وترقب ضد اندفاع الغرب لمنجز سياسي وكعامل جذب شعاراتي يتم تضخيمه لاستقطاب أكبر قدر من المؤمنين بالمشروع الثوري الإيراني من خارج دائرة التشيع الديني، فالإيرانيون يروجون السلام للغرب من حيث لا يدرون أن «السم في الدسم»، كما يقول البوصيري في بردته الشهيرة!

المصدر: الشرق الاوسط