شروط الإبداع

آراء

أعرف شاباً سورياً يتواصل معي منذ زمن، يلح في كل حوار يجمعنا على أن نسبة الشباب المبدعين في سوريا تفوق التوقعات، لكنها – يقول- مكبوتة.

اتفقت معه: لا إبداع من دون حرية، ولا إبداع في بيئة عنوانها العريض: الخوف! والخوف هنا يشمل كل شيء: الخوف من القمع ومن السجن ومن خسارة أي فرصة ومن كلام الناس ومن المجهول.

يسألني: لماذا يبدع السوري خارج وطنه؟ وأرد عليه بسؤال مماثل: لماذا يبدع العربي خارج الوطن العربي؟ للنجاح أسبابه مثلما أن للفشل أسبابه. لكن حرية التفكير وكسر جدران الخوف داخل الإنسان تأتي على رأس القائمة.

الحرية هي مفتاح الإبداع وطريق الإنجاز. حرية السؤال تقود لمزيد من الأسئلة، وفي السؤال حوافز للبحث والتقصي والنبش في المحاصر بالتابوهات والعيون اللوامة! لكنك لا تقوى على السؤال الحقيقي وأنت تخشى من تبعات السؤال. وفي البيئة التي ترسخت فيها ثقافة الرقابة يكون السؤال أحياناً جريمة، ويصبح الصمت حكمة.

عرفت أطباء ومهندسين ومحاسبين عرباً نجحوا وتميزوا خارج العالم العربي. كثيرهم نجح وتميز ليس فقط لأنه وجد حاضنة ترعى إبداعه وتميزه ولكن -وهذا الأهم- لأنه أخيراً وجد بيئة ترحب بأسئلته وتحثه على الخروج من سجن الإجابات الجاهزة والمكررة.

الإبداع يسود في الأجواء الضامنة لحرية الأسئلة وحرية التفكير وحرية الخروج من أسر المألوف والمعتاد. لن تقوم لأمة نهضة من دون حرية. ولن تبني أمة حضارة من دون مناخ حر للأسئلة الصعبة. وما دام المرء يكبت أسئلته خوفاً من العقوبة فكيف له أن يتفوق بإبداعاته وإنجازاته؟ ولماذا كلما خرج من بيننا مبدع متميز وجدناه يعبر عن تميزه من خارج حدود وطنه الأم؟ لماذا؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٥٢) صفحة (٢٨) بتاريخ (١٢-٠٨-٢٠١٢)