صفقة أمريكية – روسية بدون إيران في أفق ما بعد حلب

أخبار

بينما الساسة الأوروبيون يتبادلون الاتهامات بشأن سقوط حلب، كانت روسيا وإيران والنظام السوري يحتفلون بانتصار «تاريخي» يعتقدون أنه تحول جذري في مجرى الحرب، وأن الذين يتوقعون إظهار بوتين الندم على ما جرى في المدينة لم يدرسوا خاتمة الحرب الشيشانية، عندما سحق بوتين غروزني معقل الانفصاليين، ما جعل الأمم المتحدة تصفها بأنها «المدينة الأكثر دماراً على الأرض».

بهذه الكلمات أكد الصحفي البريطاني المخضرم سيمون تيسدال في «الغارديان» أنه برغم أن الصراع يميل بشكل حاسم ضد فصائل المعارضة فإنه لم ينتهِ بعد. حيث لا يزال نظام الأسد ضعيفاً، وهناك دلائل على أن حلفاءه المنتصرين سيتشاجرون على الغنائم، وأشار إلى أن بوتين سيحتفظ بقواعد جوية وبحرية في سوريا، لكنه سيكافح لدحض نبوءة باراك أوباما بأن روسيا سوف تسقط في مستنقع مفتوح، على غرار غزو أفغانستان في 1980.

يرى تيسدال أن تحالف روسيا الحالي المريح مع إيران يمكن أن يصبح بسرعة مشكلة كبيرة؛ لأن الميليشيات المدعومة من إيران تفسر معركة حلب على أنها انتصار رمزي على العدو القديم في الولايات المتحدة والسعودية، ويتم إحياء حديث عن «هلال شيعي» إيراني يمتد من أفغانستان عبر العراق واليمن إلى البحر الأبيض المتوسط.. وقال، إن هذا الصراع الطائفي الدائر في سوريا ليس جذاباً بالنسبة لموسكو. وهو يحمل أصداء غير مريحة، ويعيد للأذهان ما واجهته القوات الأمريكية والبريطانية في مرحلة ما بعد غزو العراق.

في الاتجاه نفسه رأت صحيفة التايمز أن «النصر بالنسبة للأسد سيكون السيطرة على واحدة من أكبر مدن البلاد، إلا أنها تعني أيضاً أنه يسيطر على ثلث الأراضي السورية، فتنظيم «داعش» يسيطر على المناطق الشرقية في البلاد، كما أنه أعاد سيطرته على مدينة تدمر، في معركة عكست الضغوط على الحكومة السورية، واعتمادها الكبير على الطيران الروسي». وسيطر «داعش» على القاعدة الجوية الروسية خارج المدينة، بعد انسحاب القوات الموجودة فيها على عجل، واستطاع التنظيم أخذ كميات مهولة من الغنائم شملت أنواعاً مختلفة من صواريخ أرض-أرض، وكذلك الصواريخ المضادة للدبابات وللطائرات. هذا النصر الخاطف للتنظيم يمكن رهنه لانشغال التحالف الروسي السوري بمعركة حلب، لكنه يعكس من ناحية ثانية أن التنظيم لن يكون خصماً سهلاً، وأن معركة حلب ستصب في محور شرعنة تحالفاته مع أغلب الشعب السوري الذي سيرى فيه المنجي الوحيد من سيطرة قوى طائفية على سوريا.

وكان مدير المخابرات الخارجية البريطانية (MI6) أليكس يونغر، حذر من أن الحملة العسكرية الوحشية، التي تقوم بها روسيا ونظام الأسد في سوريا، تخلق جيلاً من الإرهابيين، الذين سيشكلون خطراً على المجتمع الدولي، بما في ذلك بريطانيا.

ورأت التايمز أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب القادمة التي بدت صديقة للرئيس الروسي بوتين، لها أولويتان في سوريا: الأولى أن تهزم تنظيم «داعش» أو على الأقل طرد فلوله خارج سوريا والعراق، وفي مسعاها هذا تحرص على ألا تخرج إيران بوصفها المنتصر، وتنشر «تأثيرها الضار» في عموم المنطقة عبر عناصر ميليشيات حزب الله في لبنان، والمقاتلين الذين تدعمهم في العراق وسوريا. وتضيف الصحيفة أن ترامب بعد توليه الرئاسة قد يصل إلى تفاهم مع روسيا في أن يقوما معاً بقصف تنظيم «داعش» وطرده من معقله في الرقة في سوريا.

وبدون تهديد «داعش» سيصبح من الصعب على الأسد المحافظة على صورة من يقف في الجانب الصحيح في الحرب على الإرهاب. ورأت التايمز أن إدارة ترامب ستركز على دق إسفين بين موسكو وطهران، مشيرة إلى أن محللين أمريكيين يعتقدون أن إيران مقترنة بالأسد على الرغم من، أو بسبب، ضعفه، لكن روسيا يمكن أن تقبل ببديل يتمتع بولاء الجيش السوري ويحفظ البلاد موحدة ويسمح لها بالاحتفاظ بقاعدتها البحرية في طرطوس. وتختتم الصحيفة بالقول، إنه قد تكون ثمة مساومة قادمة، لكنها ستكون بشعة وخطرة، وتتم على قبور 400 ألف شخص ممن قتلوا في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسد. وإن من انقاض حلب سيخرج مقترب جديد للنزاع سيسمم السياسة العالمية.

ويرى تيسدال أن من شأن هذه الصفقة الكبرى، أن تتناسب مع «إسرائيل» أيضاً، التي ظلت تدق ناقوس الخطر بتزايد احتمالات انتشار الميليشيات الموجهة من إيران، قريباً على طول حدودها مع سوريا، ولا سيما حزب الله، وخاصة في مرتفعات الجولان. ومن الممكن أن تقبل التسوية التي فرضتها روسيا في سوريا إذا جلبت الاستقرار وقلصت نفوذ إيران.

من جهة أخرى يرى تيسدال أنه، سيتم تحديد سلامة سوريا في المستقبل والاستقرار إلى حد كبير من قبل تركيا، التي يعد رئيسها رجب طيب أردوغان، أحد الخاسرين للحرب. لكنه بعد الانقلاب صارت أولويته الأمن، الداخلي والخارجي. و تحقيقاً لهذه الغاية، فقد صحح العلاقات مع بوتين وباستثناء القوى الغربية، رتبت تركيا وروسيا صفقة إخلاء حلب هذا الأسبوع. ولكنه يشير إلى أن تعاون أردوغان مع إيران المنافس التاريخي له، مبني على مصالحهما المشتركة في كبح «داعش» وسحق الحكم الذاتي الكردي، خاصة أن إيران لديها أقلية كردية كبيرة.

بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع سقوط حلب، و بقاء الأسد وروسيا والهيمنة الإيرانية، فإن ذلك يمثل انتكاسة للسياسة الخارجية لهما، وأن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط هو الآن في أدنى مستوى، وكذا الاتحاد الأوروبي؛ حيث تلطخت مصداقيته كعنصر فاعل دولي، وعلى المدى الطويل سيكون له رأي ضعيف، أو لن يكون له رأي أصلاً. يقول ريتشارد سبنسر في التايمز، إن مسؤولين أوروبيين قد اقتنعوا بأن المطالب الغربية السابقة بتنحي الأسد باتت غير واقعية، كما أن ثمة إحساساً متزايداً بأن الولايات المتحدة قد نحيت جانباً، بوصفها شريكاً في المفاوضات الغربية هناك. ومقترحات الاتحاد الأوروبي الجديدة تتضمن نقل السلطات إلى المحافظات السورية، الأمر الذي سيسمح لقوى «المعارضة المعتدلة» بالاندماج بالقوات الأمنية المحلية، مع الحفاظ على المؤسسات المركزية للدولة، ولكن تحت تنظيم أكثر ديمقراطية. ولم تذكر المقترحات شيئاً بشأن مستقبل الأسد.

بهذا نخلص إلى أن سيناريوهات ما بعد حلب، تتضمن بقاء الأسد في السلطة، ولكن من غير المعلوم إلى متى، وحدة روسية أمريكية في محاربة «داعش» كهدف استراتيجي أولي، مع مساومة تلوح في الأفق بشأن موقف روسيا من إيران، وأن السيناريو القاتم في هذا كله أن تنظيم «داعش» والتنظيمات المتطرفة ستجد حاضنة شعبية، وأن روسيا مرشحة للوقوع في مستنقع شبيه بعراق ما بعد الغزو، الذي سادته التنظيمات الإرهابية التي استنزفت الجيش الأمريكي، وأن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه مع موسكو، إذا لم تصل إلى صفقة ترضي اللاعبين الإقليميين والفاعلين الدوليين في الشرق الأوسط.

المصدر: الخليج