عراق الجنرال سليماني

آراء

حتى أكثر العراقيين تشاؤماً لم يكن يتخيل أن يأتي يوم يقود فيه الجنرال الإيراني قاسم سليماني -الذي حارب ضدهم وقتل أبناءهم في حرب الخليج الأولى- القوات العراقية لاستعادة السيطرة على مدينة الفلوجة.

إرهابي ومجرم مطلوب دولياً يستقبل استقبال الأبطال في بغداد ويتجول بحرية في العراق وهو الذي لم يكن يحلم يوماً ما أن يخطو خطوة واحدة داخل حدوده أو حتى أن يفكر في الاقتراب منها فما بالك بأن يكون الآمر الناهي على جنود وطن أصبح أغلب زعمائه السياسيين مجرد عملاء لطهران لا أكثر.

إنها إهانة عظيمة لكل عراقي أصيل، لكل عائلة خسرت فرداً منها دفاعاً عن تراب العراق، ولكل جندي شجاع رسم بدمائه حدود ذلك الوطن العربي العظيم الذي وقف لسنوات في وجه المطامع الإيرانية.

عذر أقبح من ذنب.. عندما خرج وزير الخارجية إبراهيم الجعفري ليقول – بعد أن أصبح وجود سليماني واقعاً يصعب إنكاره – إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري ما هو إلا مستشار عسكري للحكومة العراقية مع أنه يدرك جيداً أن الجنرال الإيراني هو من يقود المعركة فعلياً، وليس لطرد تنظيم داعش بل لتغيير ديموغرافية المحافظات السنية التي بقيت منيعة أمام عملاء إيران قبل أن يتركها نوري المالكي مكشوفة أمام التنظيم المتطرف.

انتهاكات موثقة وإهانات في السر والعلن لمواطنين عجزت الحكومة العراقية عن حمايتهم من بطش داعش لتأتي فيما بعد بمليشياتها الطائفية لتحاصرهم وتهدم بيوتهم وتجعلهم عرضة للتعذيب والقتل والإخفاء القسري، تحت إشراف مباشر من الجنرال سليماني وقيادات الحشد الشعبي التي لا تخفي شعاراتها الطائفية وكأن كل من يختلف عنها في المذهب والولاء لإيران، ما هو إلا داعشي سني يجب قتله انتقاماً لسيدنا الحسين في معركة كربلاء التي وقعت قبل نحو 1370 عاماً وهو منهم ومن أفعالهم – رضي الله عنه – براء إلى يوم الدين.

يكفي أن تسمع عراقياً يترحم على صدّام – رغم بطشه وظلمه وحروبه التي دمرت العراق وهددت أمن جيرانه العرب- لتدرك الحال الذي وصل إليه العراقيون الآن، وبعد أن كنّا نطالب بعودة العراق إلى محيطه العربي بعد سنوات من الاحتلال الأميركي الذي رحل وأورثه إلى إيران وأزلامها، أصبح أقصى ما يتمناه أي عربي الآن هو أن يعود العراق إلى أهله بعيداً عن تبادل الأدوار الذي تلعبه معظم الأحزاب الشيعية من أجل عيون طهران، بينما تبقى القوى السنية وغيرها من التيارات التي تحاول الخروج من هذه المعادلة مكبلة بالتصفية والاعتقال بتهمة مكافحة الإرهاب!!

سيتعمدون ارتكاب أبشع الفظائع بحق الشعب العراقي بكل مكوناته سراً وعلانية لتحقيق انتقامهم الكامل، وهم حريصون كل الحرص على تدميره والإبقاء عليه ضعيفاً تحت وصايتهم بلا تنمية ولا نهضة ولا أمان، وبعد أن كان العراق العظيم الذي خلف مئات العلماء والأدباء والقادة ها هم يجعلون أبناءه يعيشون الانقسام المر، بين مواطن مسكون بالطائفية، وآخر ملاحق بتهمة التطرف.

المصدر: الرياض