عن قرقاش ودبلوماسية الإمارات

آراء

تتزاحم الأفكار حول أي جانب يمكن الإضاءة عنه فيما يعني معالي د. أنور قرقاش، غير أن واحداً من أهمها في ما شكّله ظهوره وتأثيره في واحدة من الحقب التاريخية المهمة لدولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط والعالم من تحولات تغيرت فيها المعادلات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الألفية الميلادية الجديدة التي حملت إرثاً ثقيلاً مع التطور العالمي بالتحول التقني المتسارع، الذي واكب المتغير الأهم في التاريخ السياسي بما أعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفرضت الحرب على الإرهاب نفسها كأولوية أمنية وسياسية انعكست على كل جزء من العالم.

في خضم كل هذه الظرفية، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تستعد لواحدة من أهم القفزات الوطنية بما يمكن أن يسمى مرحلياً ما بعد التأسيس السياسي، الذي امتد عدة عقود حتى جاءت سنوات التحديث الوطني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مما تطلب معه تصعيد الجيل الثاني من القيادات الوطنية لتحمل مسؤولية الانعطافة الكبيرة على كافة المستويات التي وضعت مقرراتها الدولة الاتحادية كأهداف مرحلية وأخرى بعيدة المدى. في تلك المرحلة ظهر اسم الدكتور أنور قرقاش، وإنْ كان لافتاً في العرف العربي على الأقل ظهور هذا النمط غير الكلاسيكي من التعريفات السياسية كوزير دولة للشؤون الخارجية، وفيما بدا للمحيط الإقليمي والعربي أنه شكل مختلف في التعاطي السياسي، فلقد كانت التطورات السياسية في الشرق الأوسط أكثر انعطافاً وتحدياً بسقوط النظام العراقي عام 2003 وما تشكل من تمدد إيراني وظهور الهلال الشيعي.

واجهت الإمارات سنوات التحدي بديناميكية سياسية مختلفة عن النمطية السائدة في الشرق الأوسط باعتبارات التعاطي مع التحولات الكبرى والحادة بالعقلانية والواقعية، فدخلت في تحالفات سياسية وأمنية تتوافق مع متطلبات المرحلة وتحدياتها وما يضمن استقرار الأمن الوطني والإقليمي لتحقيق أعلى الدرجات الممكنة للنشاطات التجارية، ولاستمرار الاستراتيجية الوطنية القائمة على لعب الدور الاقتصادي بين الشرق والغرب، وهو ما جعل من الانخراط ضمن التحالف الدولي لمكافحة «داعش» في سوريا والعراق خطوة تواكب مبادئ الإمارات السياسية وأهدافها، وهو ما انسحب لاحقاً على انخراطها في التحالف العربي، الذي قادته السعودية في اليمن، وكذلك التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب كتحالفات تنسجم والقانون الدولي الإنساني، الأداء الإماراتي في كل التحالفات الدولية والإقليمية كان ذا تأثيرات رئيسية بكل المستويات العسكرية والإنسانية، استطاعت معه الإمارات اكتساب ثقل كبير في كل التحالفات، مع مضيها في استراتيجيتها المتوازنة ومعها كانت تواصل أداء سياسي ديناميكي جعل المؤسسة الدبلوماسية الإماراتية تتحرك بقدرة وتأثير في مختلف المحافل الدولية.

لم تكن إطلالات الدكتور أنور قرقاش الإعلامية سوى نمط غير تقليدي من خلال الظهور في المنصات الرقمية، قرقاش امتاز عن غيره ببراعة لغوية منحت فحوى تغريداته عمقاً وتأثيراً واسعاً، هذا الامتياز الذاتي في الشخصية، أعطى مزيداً من الاهتمام لدى مختلف الدوائر بانتظار تغريدات قرقاش، التي كانت ومازالت تقدم فهماً سياسياً شكّل خطاً لدبلوماسية الإمارات والتعاطي معها، ومع قدرتها على توظيف الأدوات غير التقليدية في زمن غير تقليدي، وبتعاطٍ سياسي غير تقليدي في ظروف سياسية متقلبة وتحديات صعبة استطاعت فيها الإمارات دائماً تحويلها إلى فرص سياسية ومبادرات شجاعة كإبرامها اتفاقية السلام مع إسرائيل، مما غير توازنات الشرق الأوسط التي كانت قائمة منذ منتصف القرن العشرين. هذه واحدة من أهم المنعطفات التي صنتعها رؤية الإمارات واستراتيجيتها المعتمدة على مكافحة الإرهاب، وخفض التوترات في الشرق الأوسط، وذلك كله في إطار دبلوماسية طموحة تحققت، ونجحت الإمارات من خلالها في أن تكون دولة واسعة التأثير الإيجابي بمصداقية مواقفها مع حلفائها.

المصدر: الاتحاد