سارة الرشيدان
سارة الرشيدان
كاتبة سعودية

عيدان والوطن بخير

آراء

اجتمع للوطن قبل أمس في العاشر من ذي الحجة عيد الحج الأكبر وعيد اليوم الوطني فكل عام والمسلمين بخير؛ وكل عام ووطنا أجمل الأوطان بخدمته للمسلمين وخاصة حجاج بيت الله الحرام.
بدأ اليوم بتهنئة من ملكنا سلمان وقبل أن ينتهي كان خادم الحرمين يعزينا ويعزي نفسه بفقد ضحايا حادث التدافع ويوجه بالتحقيق في مراجعة الخطط المعمول بها في الحج.
وقد سبق توجيه خادم الحرمين السريع الذي أفضى إلى نتائج لجنة الرافعة السريعة فلا بد أن يؤدي هذا التوجيه إلى نتائج سريعة أيضا في مراجعة خطط الحج ومتابعة المقصر، فقد فجعتنا حادثة الرافعة بأكثر من مئة قتيل تناثرت أشلاؤهم بجوار بيت الله الحرام ونحن ندرك أنه كان بالإمكان تقدير الخطر وإبعاد الرافعات عن منطقة العمل في الحج.
حادثة التدافع وكل حادثة تنتج في الزحام في الحج متوقعة، بل هي السبب الأول الذي يخاف المسلمون حدوثه في كل موسم حج وننتظر عودة الحجاج إلى أوطانهم لنعلن سلامة خطة الحج، ومن يقرأ الحادثة بالأرقام اليوم فهي سبعة أضعاف وفيات الرافعة، ومن ينظر للحادثتين في قربهما الزمني واجتماعهما في موسم واحد لا يمكن إلا أن يراهما مصيبتين عظيمتين، وقد يظن المراقب الخارجي أن هناك من يتعمد الإساءة ولكنه بالتأكيد يتجاهل أن المملكة قدمت خدمة الحجيج على أولى أولوياتها وحاولت استيعاب العدد الأكبر منهم، وما حوادث كالرافعة إلا نتيجة لفكرة توسيع المسجد الحرام، وكذلك حدوث التدافع لزيادة أعداد الحجاج المطردة وتدافعهم في منطقة محدودة.
حين تقرأ ردود فعل خارجية تطاولت على المملكة سترجع مباشرة لمواقف وسياسة هذا البلد أو ذاك، وحين تقرأ لإحداها مطالبة بالتحكم في الحج من جهة خارجية لن يخطر ببالك إلا الشعارات السياسية التي سعت دولة معينة منذ عقود إلى تحويل الحج لمظاهرة معادية، فعن أي إدارة تتحدث تلك الدولة هل تعني إدارة الحج لحساب أجندتها؟!
يشهد القاصي والداني للمملكة أنها لم تستغل الحج لدعاية سياسية أبدا، فليس هناك أي محاولات لتوجيه سياسي، بل ربما دخل الحاج إلى المملكة وخرج وهو لا يعرف أبدا أي معلومات خارج إطار ما يحتاج لأداء نسكه.
كما أن المملكة لا تفرض على أحد نظرة مذهبية للحج، فالحجاج سواسية لا تمييز بينهم ولا يعاملون إلا ضيوفا للرحمن يتقبلون بالترحاب ويودعون بدعوات بالسلامة، ويخدمهم الصغير والكبير والكهل والشاب ويجمعهم نداء موحد “يا حاج” كما توحد بياض الرداء والإزار على أجسادهم.
إن خدمة الحجاج والتسهيلات وتوزيع الماء والوجبات المجانية ليل نهار أغرت الكثير من الحجاج بالتسلل للحج بدون تصريح ولاعتبار تكرار الحج سنويا مهارة يتباهون بها.
الحوادث والوفيات تحدث في كل مكان لكن التعامل معها هو ما يصنع الفرق؛ وقد تكرر تناقل صورة لجندي يلقن حاجا الشهادة وهي ليست صورة غريبة أو نادرة فقد اعتدنا أن نرى كل عسكري مهما كانت رتبته في موسم الحج أو العمرة لا يرى خدمة الحجيج إلا شرفا، ولا يتوانى عن حمايتهم، فهي عنده تعد واجبا يقف على قدميه لأجله الساعات الطوال منظما لتحركاتهم ومجيبا عن أسئلتهم، وأكثر من ذلك فلا يعقل أن تكون وفاة حاج أمرا هينا، فضلا عن أن تكون وفاة مئات الحجاج، رحمهم الله كذلك، ولمن بالخارج أن يتصور أن الفجيعة علينا عظيمة أضعاف عظمها على المسلمين جميعا، لأن سلامة الحجاج فرض علينا يقوم به أهل هذه الأرض من أهل مكة قبل الإسلام، واليوم يقوم به الجندي والمدني ويوجه له -على حد علمي- حتى طلاب بعض الكليات العسكرية والمدنية كمهام قبل التخرج ولا ينعمون بإجازات العيد كبقية قطاعات الدولة.
رحم الله الحجاج الذين كان آخر عهدهم بالدنيا تلبية أو تكبيرة بواسع رحمته ونشهد الله أننا لفقدهم محزونون. بقي دور أصحاب الرأي منا دعاة أو كتابا الذين يتطلع المتابعون لما يكتبون أو يقولون عن هذه الحادثة وغيرها، فالمطلب الأول هذه الأيام هو تلافي تكرار ما حدث بالدرجة الأولى، فما زال الحج مستمرا ولا يزال بقية أحبابنا من ضيوف الله بيننا وبين يدي رعايته ورحمته سبحانه، نسأل الله لهم الأمن والسلامة والعودة إلى أوطانهم مغفورا لهم ومجبورين غير مكسورين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المصدر: صحيفة الوطن السعودية