فتش عن «المظهر»!

آراء

قرر صاحبنا أن يشتري سيارة وحدد لها ميزانية بحدود المائة وعشرين ألفاً، جزء كبير من المبلغ قرض من البنك. ثم توافدت عليه الاستشارات من كل جهة وكلها تصب في خانة واحدة: يا رجل: زد عليها ستين ألفاً واشتر سيارة أفضل. نصحه آخر: ما دمت ستدفع مائة وعشرين ألفاً، زدها قليلاً واشتر سيارة أفضل. خضع لنصائح الأصدقاء والأقارب وأم الأولاد، وراجع البنك حتى تحقق المراد فقرر تغيير نوع السيارة لأخرى أكثر «وجاهة» في مجتمع يحكم عليك من خلال سيارتك أكثر من فكرك. وما إن أوشك على شراء السيارة الجديدة حتى انهالت عليه من جديد نصائح الأصدقاء والأقارب وأم العيال: ما دمت ستدفع مائة وثمانين ألفاً، زد عليها قليلاً واشتر سيارة «ألمانية» أرقى وأكثر وجاهة.

ميزانية المائة وعشرين ألفاً صارت مائة وثمانين ألفاً، والمائة وثمانين ألفاً صارت مائتين وأربعين، وكان بالإمكان أن تواصل الارتفاع -بنصائح ذات الأصدقاء والأقارب وأم العيال- إلى ما فوق الثلاثمائة ألف. وهنا فتش عن المنظر لا عن الجوهر. الناس تلبس وتشتري وتبني للناس لا لأنفسها. وأحياناً لا ألوم من «يراعي» المجتمع فيلغي ذوقه وقناعته ويركض خلف «الموجة». بطل مغوار من يستطيع السير عكس التيار!

قرر صاحبنا أعلاه، وقد ضاقت به الحيلة، أن يعود لميزانية المائة وعشرين ألفاً و«لا يكلف الله نفساً إلا وسعها». قال: لو تورطت في قرض البنك لما فزع لي أي من الناصحين بشراء سيارة أكثر وجاهة. يا لنا من مجتمعات غلب فيها «المظهر» على «المخبر». حياتنا وموتنا مرتبطان -والله أعلم- بما يقوله الناس فينا وعنا لا بما نريده نحن لأنفسنا!

 المصدر: صحيفة الشرق