سارة مطر
سارة مطر
كاتبة وروائية سعودية

كاميرات ونقاب “شبح الريم”

آراء

ما يستفاد من مقتل المعلمة الأميركية التي طعنت في مرحاض تابع للمجمع التجاري “بويتك مول” في جزيرة الريم بإمارة أبوظبي قبيل أيام، وبأداة حادة عثرت عليها الشرطة في مكان الجريمة، هو أهمية توافر كاميرات في أغلب مناطق المملكة، إذ إنه تم القبض على القاتلة بسرعة كبيرة، من خلال ما جرى تسجيله عبر الكاميرات التي تم وضعها في المجمع التجاري، وتبين بعد ذلك أن القاتلة لم تكن سوى سيدة منقبة إماراتية من أصول يمنية، وأن لها سابقة حيث حاولت المتهمة زرع قنبلة بدائية الصنع أمام منزل طبيب أميركي مقيم، لكن بفضل الله ثم بحنكة الشرطة الإماراتية، تم تفكيك القنبلة بعد أن اكتشفها أحد أبناء الطبيب.

إذاً من الضرورة أن تكون لدينا شبكة رقمية هائلة من الكاميرات، تتوزع بشكل متقن في أهم مناطق المملكة، فوجود مثل هذه الكاميرات يمكن لهُ أن يحل أموراً شتى، كالتقليل من نسبة السرقات التي تحدث في الأسواق المفتوحة، أو حتى التحرشات التي تصادفها السيدات أثناء تسوقهن في المجمعات التجارية، وعلى الأخص أن المملكة تتصدر قائمة أكثر الدول التي تتم فيها سرقة السيارات، وللأسف الكثيرون حتى الآن لم يجدوا سياراتهم، لذا فوجود مثل هذه الكاميرات سيعمد على حل هذه المشكلة، من خلال سرعة الكشف عن الجناة، وأظن جازمة أن السرقات والتحرشات والمشاجرات بين الشباب ستقل نسبتها، بسبب شعور الكثيرين بأنهم مراقبون.

من جهة أخرى، أستغرب تماما حينما يربط البعض الجريمة بالنقاب، وهل يعني ذلك أن النقاب يمكن أن يكون مصدرا مخيفا في المجتمع الخليجي، وأن الذين يكشفون وجوههم بعيدون عن القيام بأي جريمة، سواء أكانت قتل أم سرقة، بالتأكيد هذا رأي أجد حتى من السذاجة أن يتم طرحه أو مناقشته، ولكني فوجئت ببعض الإعلاميين الخليجيين، الذين أشاروا إلى أنه يفترض أن يحظر لبس النقاب حتى لا يتم أي نوع من الجرائم، في الوقت الذي هاج فيه المسلمون في فرنسا، حينما تم حظر النقاب في الأماكن العامة بها، وأقيمت العديد من المظاهرات تندد بهذا القانون الذي يجدونه جائرا، لكن في أستراليا لم يجد البرلمان الأسترالي ما يمنع من السماح للمنقبات حتى بدخول كل المناطق العامة في البرلمان، وهذا دليل على ثقة الحكومة بمواطنيها، ومن السذاجة أن يطالب مثقفو الخليج بحظر النقاب، لمجرد أن سيدة منقبة قامت بالقتل، على الأخص أن غطاء الوجه بشتى صوره، يعد عرفا تقليديا في الأسر الخليجية.

وفي إمارة أبوظبي وهي إمارة تتسم بطابع من الهدوء الراقي واللافت، وحراك اقتصادي عالي المستوى، تقود المرأة هناك وهي ترتدي النقاب أو البرقع أو حتى “البطولة”، وهو رداء شعبي قديم يغطي العينين والأنف فقط، ولم يكن النقاب يوما عائقا في عمل المرأة في هذه الإمارة أو سواها، لم يكن النقاب مطلقا سببا في عدم حصول أي امرأة على وظيفة جيدة ولائقة، لم يكن النقاب أداة أو سببا في حصول جرائم مختلفة، الجريمة يمكن أن تقع في أي وطن وأي مدينة، سواء هنا في المملكة أو في بلاد “الواق واق”، لم تكن الجريمة حكرا على امرأة أو رجل، شاب أو صبي، أذكر أني شاهدت ذات مرة برنامجا وقد استضاف عددا من الأطفال لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، وقد تكالبوا على قتل صديقهم لسبب تافه، إذاً الجريمة حينما تحدث لا أظن أنه من العدل أن يتم ربطها في رداء وطني، أو تقاليد دولة، تبقى الجريمة جريمة يمكن تصنيفها لاعتبارات اجتماعية أو نفسية تتعلق بالجاني، لكن لا يمكن أن يتم تصنيف الجرائم بحسب ما يرتديه القاتل، وحتى القاتلة في جريمة جزيرة الريم لم ترتد النقاب لتقتل، وإنما هي في طبيعة حياتها المعتادة سيدة منقبة، لذا، أظن علينا أن نُحكّم عقولنا فيما يكتبه البعض، وفيما يتم نشره للعامة، فلسنا نحن من يهدم حقوق الآخرين في اختيار ما يناسبهم من رداء، إما لاعتبارات دينية، أو اعتبارات أسرية ومجتمعية.

وإن حدثت جريمة في هذه المدينة الساكنة على البحر، المدينة التي تليق بأي أسرة خليجية أو حتى أجنبية، لأن تجوب شوارعها وأسواقها بكثير من الطمأنينة والأمان النفسي، فإن ما حدث بها ليس بالأمر السيئ أو الخطر، فمعظم المدن والعواصم وحتى المدن الغارقة في الفقر، وتلك القرى التي لا يتم ذكرها في الخارطة، تحدث بها مختلف الجرائم، ولكن يبقى علينا ألا نكون عنصريين في توصيفنا للجرائم، أن نكون أكثر فهما لمجتمعاتنا الخليجية والعربية، وأن نلتزم بأقصى حد لإعطاء النساء حرية ما يفضلن ارتداءه، لا أن يأتي من يجبرهن على عدم وضع الغطاء أو النقاب والبرقع، فقط لأنه يجد أن ارتداء مثل هذه الملابس يعمل على زيادة انتشار الجريمة!

المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24207