كيف تستطيع (سامانثا باور) أن تغير دبلوماسية الولايات المتحدة الأميركية

أخبار

بقلم: سوزان نوسل

باعتبارها أول مسؤول من أصل أيرلندي يحتل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سوف تتبوأ سامنتا باور مكانة متميزة ضمن غرف اجتماعات المنظمة وحفلات الاستقبال اللانهائية. ولكنها أيضا ستقوم بدور بارز يتجاوز المظهر. بفضل صغر سنها وخلفيتها المهنية والتزاماتها الفلسفية وأسلوبها الشخصي المباشر، في إمكان باور أن تصبح سفيرة أميركية ذات كفاءة فريدة. من خلال الارتقاء بما يظهر ويخفى من شؤون الأمم المتحدة، والتأكيد على دورها كقوة للحفاظ على حقوق الإنسان ووسيط لوقف الصراعات العنيفة، تستطيع باور أن تساعد الأمم المتحدة على المضي قدما مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.

سامنتا باور مع الرئيس أوباما

سامنتا باور مع الرئيس أوباما

التحقت باور بالعمل في السياسة الخارجية في منطقة حرب، وقد تركت المخاوف التي شهدتها أثرا دائما لديها. كانت تغطي أخبار حرب البوسنة في التسعينات من القرن العشرين كصحافية حرة إلى جانب مجموعة من الصحافيين كثير منهم من السيدات، بالإضافة إلى العديد ممن حققوا مكانة مهنية مميزة في مجال حماية حقوق الإنسان. ومن البوسنة، انتقلت باور إلى كلية الحقوق بجامعة هارفارد (حيث التقينا) واهتمت بدراسة قوانين حقوق الإنسان، لتؤلف كتابها الحاصل على جائزة بوليتزر بعنوان «مشكلة من الجحيم» (A Problem From Hell). كان ذلك الكتاب بالإضافة إلى دعوة باور المتحمسة للولايات المتحدة لمنع الأعمال الوحشية المستقبلية ووقفها هو الدافع وراء مقابلتها مع السيناتور باراك أوباما في عام 2005. ومن خلال هذا اللقاء، حصلت باور على دور بارز كمستشارة لأوباما داخل مجلس الشيوخ، وأثناء حملته في الانتخابات الرئاسية.

بعدما تسبب تعليق باور عن المرشحة الرئاسية آنذاك هيلاري كلينتون في توليها دورا في إدارة أوباما أقل مما توقعه الكثيرون، عادت باور في منصب كبير مديري مكتب الشؤون متعددة الأطراف وحقوق الإنسان بمجلس الأمن القومي (حيث عملت معها بينما كنت في منصب نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون المنظمات الدولية بوزارة الخارجية). وسريعًا ما أصبح من الواضح أن باور تفضل اتخاذ إجراءات على المشاورات غير المحددة، وهي السمة التي وجدها المسؤولون تبعث على الحماس والخوف في بعض الأحيان. عندما ساعدت باور على تقدم الصحافة بقوة في أوضاع حقوق الإنسان ببورما في عام 2010، تراجع المسؤولون، ولكن ليس قبل أن تسمع نايبييدو رسالة بأن واشنطن جادة. سريعًا ما تعلمت باور المعنى السياسي لدعاء رينولد نيبور عن الطمأنينة، يوجد قطاع كبير في الحكومة الأميركية غير قابل للتغيير على الإطلاق، ويجب استغلال الفترة القصيرة التي يقضيها أي شخص في منصبه في الأماكن التي يمكنه من خلالها إحداث الفارق.

واستخدمت باور منصبها بالبيت الأبيض بهدف حشد موظفي السياسة الخارجية لتطوير نهج إدارة أوباما التقدمي نحو قضايا حقوق المثليين والانفتاح الحكومي ومنع الأعمال الوحشية، ولا يعد ذلك مفاجئا. تطلبت تلك الجهود عمل فريق مجتهد في صياغة المذكرات وتنقيحها، والاستعانة بمتطوعين دوليين، وتذليل الصراعات البيروقراطية ومعارك النفوذ. وأثمرت هذه الجهود عن إحداث تغييرات سياسية دائمة حافظت على موقف القيادة الأميركية من حقوق المثليين من خلال إطلاق مبادرة عالمية لتصعيد حقوق المثليين ضمن حقوق الإنسان؛ وإقامة هياكل جديدة مستمرة مثل هيئة منع الجرائم الوحشية التي تتولى مسؤولية توحيد الجهات الحكومية لتفادي الانتهاكات الجسيمة؛ وتعزيز الأعراف الدولية الناشئة بشأن مزيد من الشفافية الحكومية التي تخضع لرقابة شراكة جديدة بين حكومات 55 دولة.

حقوق الإنسان

كان شغف باور الأول هو الدافع الرئيس لها خلال الفترة التي أمضتها بالبيت الأبيض. في الحقيقة، أخفقت هي وغيرها من مسؤولي الإدارة الذين يشبهونها في الفكر في ترجيح كفة حقوق الإنسان في البيت الأبيض أثناء التعامل مع الحرب على الإرهاب خلال الفترة الرئاسية الأولى لأوباما (على الرغم من أنه من الممكن تدارك هذا الإخفاق في النهاية، وفقا للخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما حول مواجهة الإرهاب منذ أسبوعيين). أدركت باور أن المناقشات حول قضايا ساخنة مثل غوانتانامو وطائرات التجسس دون طيار تخضع لسيطرة الجيش ووكالات الاستخبارات، لذا اختارت أن تكرس طاقاتها من أجل القضايا التي تسمح بالاستماع إليها واتخاذ إجراءات. وباعتبارها مستشارة الرئيس أوباما الرئيسة في مجال حقوق الإنسان، أيدت باور الترشح للفوز بمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبمجرد انتخاب الولايات المتحدة الأميركية، دعمت طريقا طموحا لإشراك المجلس في التصدي للأزمات الجارية بكوت ديفوار وقيرغيزستان وليبيا وسوريا. وخلال المناقشات الأولية حول ليبيا، تغلبت باور على خلافاتها مع كلينتون، وحصلت على إجماع داخلي بين إدارات مجلس الأمن القومي. ومن خلال مساعدة إدارة أوباما على التحدث بنبرة قوية وموحدة بشأن ليبيا، ساعدت باور على تمهيد الطريق أمام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالموافقة بالإجماع على اتخاذ إجراء لحماية المدنيين من الهجمات الوحشية التي يشنها القائد الليبي السابق معمر القذافي.

وجدير بالذكر أن منتقدي باور من اليسار سوف يلقون باللوم عليها لدعمها التدخل العسكري في ليبيا وتعزيز تدخل الولايات المتحدة الأميركية في منع الأعمال الوحشية ووقفها في المناطق البعيدة. ويؤمن بعض هؤلاء المحللين أن الولايات المتحدة الأميركية تتسبب في المزيد من الضرر أكثر من النفع حول العالم، بغض النظر عمن يمتلك السلطة وما هي السياسات المتبعة. وعلى الرغم من أن التدخل الإنساني للولايات المتحدة الأميركية أسفر عن نتائج غير مقصودة وغير متوقعة، فإن باور أدركت طوال ما يقرب من 20 عامًا أن السلبية لا يمكن أن تكون حلا. وكما شاهدت باور ووثقت في كتبها، عدم اتخاذ أي إجراءات حيال الأعمال الوحشية من الممكن أن يمهد الطريق إلى مجازر ومذابح جماعية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى زيادة الأوضاع السياسية سوءًا – تتضمن انتشار اليأس بين الشعوب – مما يتسبب في النهاية في مزيد من الوحشية.

هل تكون باور نسخة ثانية من ريتشارد هولبروك

هل تكون باور نسخة ثانية من ريتشارد هولبروك

ليس من الخطأ مناقشة ما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية – وخاصة قوتها العسكرية – بمثابة عملاء رئيسيين لتحقيق الخير أو الشر في العالم. ولكن هناك ما يُقال حول تعبئة صفوف صنع القرار بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بالمسؤولين الذين يؤمنون بأن البلاد بإمكانها أن تكون قوة إيجابية، ويريدون منها أن تصبح ذلك. لم يسبق لباور أن وافقت على تدخل لم ترغب فيه. وباعتبارها كاتبة ذات روابط وثيقة مع منظمات مجتمع مدني تقدمية، ترغب باور في سماع الحجج المضادة وتقييمها. ساعدت الفترة التي أمضتها باور في البيت الأبيض – أثناء وجودها في مواجهة مباشرة مع مسؤولين إقليميين ونظراء مسؤولين عن الدفاع والاستخبارات والاقتصاد – على فهم المعوقات والعثرات المتعلقة بتدخل الولايات المتحدة الأميركية حول العالم.

نظرا لأن أول مهمة تولتها باور في وضع السياسات كانت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) – تلك الفترة التي شهدت تخفيض ميزانية الولايات المتحدة الأميركية وشن معارك طاحنة ضد الإرهاب وظهور قوى أخرى حول العالم – لم تكف باور مطلقًا عن تعلم الدرس حول قدرة واشنطن على ممارسة السلطة والتأثير على القرارات العالمية أو التدخل بمفردها في حل مشكلات دولية. تشكلت تجربتها الوحيدة المباشرة بشأن دور الولايات المتحدة الأميركية في العالم في اعتماد أميركا على شراكات حقيقية مع الآخرين، وفي حاجة الولايات المتحدة إلى التعامل بطرق من شأنها انتزاع مثل هذا التعاون. يأتي هذا الفهم في صميم الدبلوماسية الفعالة لدى الأمم المتحدة.

على أي حال، سوف تبرز شخصية باور وسط ثقافة الأمم المتحدة التي تقدر قيمة البروتوكول والبيانات المعدة. تتميز ثقافة باور بأنها شخصية تلقائية، وليست متكلفة بعناية. فهي تقول ما تفكر فيه، ويظهر وجهها ونبرة صوتها ما تشعر به. كما أنها تتسم بكثير من الصبر على المجاملات، وأحيانًا ما تخرج عن النص. وقدوتها في هذا الصدد هو ريتشارد هولبروك، معلمها منذ زمن طويل والذي تعرفت إليه لأول مرة في البوسنة. كانت الفترة التي عمل فيها هولبروك كسفير للأمم المتحدة ناجحة بكل المقاييس وتميزت بجهوده الحثيثة لتحقيق إنجازات ملموسة: مثل تسوية متأخرات الولايات المتحدة الأميركية للأمم المتحدة، وتوجيه الاهتمام العالمي نحو قضية مرض الإيدز وتناول الحروب المشتعلة في أفريقيا. ومثل هولبروك، تملك باور القدرة على إقامة علاقات شخصية بإمكانها المساعدة على تجاوز التفاصيل البيروقراطية الدقيقة التي تمنع في بعض الأوقات استئناف الأعمال والمضي قدمًا في الأمم المتحدة.

إذا استطاعت باور الجمع بين منهج هولبروك البرغماتي – أي الاستعانة بالأمم المتحدة كوكيل لحل الأزمات – وما اتسمت به صديقتها التي سبقتها في المنصب سوزان رايس من قوة في ربط دبلوماسية الأمم المتحدة مع أولويات السياسة بواشنطن، ربما تدرك الولايات المتحدة أخيرا أنه في فترة الميزانيات المخفضة وانتشار القوى العالمية، يمكن أن تكون الأمم المتحدة ذات الأداء الفعال والنفوذ صاحبة الحسم في إنجاز الأمور.

المصدر: مجلة المجلة‎ – فورن أفيرز

سوزان نوسل: ناشطة في مجال حقوق الإنسان، ذات خبرة في القطاع الحكومي ومنظمات المجتمع المدني.