لماذا يقرأ الكاتب؟

آراء

في كتاب «رائحة الجوافة»، الذي ألقى الضوء على عالمه الأدبي، ذكر الأديب العالمي، غابريل غارسيا ماركيز، أن اهتمامه بالرواية بدأ في الليلة التي قرأ فيها رواية «المسخ» لكافكا، ويتذكر ماركيز كيف عاد إلى البيت وهو متشبث بالكتاب الذي استعاره من صديقه، فخلع سترته وحذاءه واستلقى على الفراش وفتح الكتاب وراح يقرأ: «حينما استيقظ جريجوري سامسا ذات صباح، بعد أحلام مضطربة، وجد نفسه قد تحول في سريره إلى حشرة هائلة». أغلق غابرييل الكتاب وهو يرتعش، وقال مفكراً: يا إلهي، إن هذا ما أستطيع أن أفعله. وفي اليوم التالي كتب أول قصة قصيرة في حياته.

لم يطوّر ماركيز موهبته، في ما بعد، بانعزاله عن العالم كي يتفرغ للكتابة، بل طوّرها بانكبابه على قراءة الإنتاج الأدبي لعدد غير قليل من كبار الكتّاب الذين سبقوه أو عاصرهم.

إن ماركيز مجرد حالة من حالات الأدباء الذين كان للقراءة فضل كبير عليهم، فلولاها ما انقدحت أول شرارات الكتابة لديه، ولولاها ما صقل أفكاره وأسلوبه الأدبي.

إن أكبر خطأ قد يقع فيه الكاتب هو ظنه أن نجاح كتاباته سببه موهبته فقط، فالأخيرة وحدها غير كافية لصنع النجاح، ليس في الكتابة فقط، بل في مختلف الإبداعات الإنسانية.

إن الكاتب العميق والمختلف، هو في الحقيقة قارئ عميق ومختلف. إن الكتابة تستمد وقودها وطاقتها من القراءة بشكل كبير، ويشير عدد غير قليل من الأدباء، الذين بلغت مؤلفاتهم شهرة كبيرة، إلى أن قراءاتهم لم تقتصر على الكتب الأدبية، بل امتدت لتشمل مختلف العلوم الإنسانية، وذلك في سبيل نضجهم ونضج تجربتهم فكرياً. إن هذا الأمر أشبه بوجود بنية تحتية للكاتب يمكنه بعدها الانطلاق دون خوف نحو إنجاز أعمال أدبية ناضجة ومختلفة.

إن الكاتب الذي لا يقرأ سيعتقد أن أي عمل يكتبه مختلف ومميز، وهذه الظاهرة للأسف سبب من أسباب تشابه عشرات الأعمال الأدبية التي تصدر سنوياً في العالم العربي، بعضها لكُتّاب جدد، يظنون أن أي قصة حب فاشلة يمكن أن تشكل عملاً إبداعياً عظيماً لا مثيل له من قبل أو بعد، وبعضها لكُتّاب لهم إصدارات سابقة، إلا أنهم ظلوا يراوحون أماكنهم ويجترون فكرة واحدة طرحوها في إصدارهم الأول، الذي كان أيضاً تكراراً لفكرة عشرات أو مئات أو آلاف الأعمال السابقة.

إن الكاتب الذي لا يقرأ أو يتوقف عن القراءة، بمجرد حصده نجاح عمل من أعماله، أشبه بمن اختار لنفسه التوقف عن النمو، فكم من كاتب توقفنا عن متابعة أعماله والقراءة له لأننا شعرنا بأنه لم يأتِ بجديد، وكم من كاتب توقف عن النمو بينما استمر قرّاؤه في النمو بسبب كثرة قراءتهم، فتركوه وجاوزوه إلى كتّاب آخرين، وكم من كاتب ظننا أن لن نقرأ له شيئاً، ثم أصبحنا نبحث عن أعماله في كل مكان بعد أن اتسعت مداركنا بفضل القراءة.

المصدر: صحيفة الإمارات اليوم