ليس للإرهاب دين (2)

آراء

بعد أن ازدحمت الأفكار المتناقضة، نحن اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى رصد هذه الظاهرة، وتوفير المؤسسات العلاجية، والتي تقوم بدور الرافد المهم لصناعة الوعي، وبث الروح الشفافة، ونشر فكرة التنوير ليس كمعطف للزينة، وإنما كحاجة وجودية لا غنى عنها.

لقد تمادى الإنسان من مختلف الأطياف الدينية، والثقافية، والعرقية، في بث روح الفرقة بين الناس أجمعين، وتحويل الكرة الأرضية إلى كرة نارية تلتهب بجمراتها أجساد الأبرياء، ولا يمكن النجاة من نار هذه الفوضى الفكرية، وعشوائية الطرح، إلا بمعيار الإفصاح عن الخبايا، ومكنون النفس، وقد قالها الفيلسوف الدانمركي سيرين كيركجارد «من لا يحب لا يستطيع الكشف عن نفسه، ومن لا يكشف عن نفسه يعيش أبد الدهر في التعاسة»، وسارتر قال: «الوجود اختيار، وعدم الاختيار عدم الوجود».

فالحرية التي يدعيها الآخرون، وتحت أغطية رثة، هي مسؤولية، والتزام أخلاقي، ومن لا يستطيع تحمل هذه المسؤولية يعش أبد الدهر بين حفر العبثية، والانهيارات الثقافية، والعدمية، المريبة.

نحتاج إلى عالم شجاع، يستطيع أن يعبر عن نفسه بشكل صحي، خال من الأمراض النفسية، ومعافى من العنجهية، والمماطلة على الواقع.

نحتاج إلى عالم يسدد خطاه بوعي، واحترام للآخر بصرف النظر عن تنوع الدين أو العرق، أو الجنس، نحتاج إلى الوعي بأهمية أن نكون أبناء لأم واحدة هي الأرض، نحتويها بمشاعر الحب، والانتماء، والوفاء، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى عقل واعٍ. يقول الفيلسوف الفرنسي أدغار موران: «العقل البشري اليوم يتحكم في كل شيء إلا نفسه»، وهذا ما يجعله أسير أفكار جهنمية، عديمة، ومبادئ عفا عليها الزمن، بعد أن هجرت العفوية، وتخلت عن فطرتها، واستندت إلى مخدات من حجر الصوان، مما جعل الرأس يعاني من صداع نصفي سببه القلق المرضي، ومؤداه «لماذا لا أكون أنا الأفضل»، وهذه معضلة وجودية، تستمر في غلوها، وغيها، تستمر في رسم الصورة الوهمية للعلاقة بين الإنسان والإنسان، وهذا ما نراه اليوم في واقعنا البشري، هذا ما نلمسه من تحديات تشير إلى هلاك البشرية، فيما لو استمر الفكر الغوغائي هو الذي يقود المرحلة، وهو الذي يتصدى للمعضلات الوجودية، وهو الذي يحل ويربط ، بينما أصحاب العـقول الصحيحة، يتوارون خلف حجب التهميش، وأحياناً الخوف من قول الحقيقة. ما بين العصبة والعصبية شريان وكهان، يشيعون، الأذى في الضمير الإنساني، ويبعثون على تهوية الأجـواء الملوثة باستخدام مراوح يدوية بدائية مما يجعل الهواء الطبيعي يخـرج من فوهة أنابيب ثاني أكسيد الكربون المسمومة.

هكذا يبدو لي العالم، وهكذا أتخيله بعيداً عن الاصطفافات، وتحيز الذات، هكـذا أرى العالم وهو يرفع عن جلبابه ليدخل النهر، من دون علـم له بفن السباحة، هكذا هو العالم، يغوص في بحيرات الفكـر الضحل، ولا يدفع الثمـن إلا الأبرياء.

المصدر: الاتحاد