هدى ابراهيم الخميس
هدى ابراهيم الخميس
مؤسّس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون

مسبار الأمل ثقافة فكر وبناء حضارة

آراء

إن المتأمل لتاريخ الإمارات، يجد أن الاتجاه نحو الفضاء بدأ مبكراً مع اللبنات الأولى للدولة، في عهد الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، صاحب المقولة الشهيرة «من الصحراء إلى الفضاء»، والتي تلخص استراتيجية الدولة ورؤية القيادة الرشيدة منذ فجر التأسيس، القيادة التي حققت وما زالت تحقق العديد من الإنجازات المتتالية في قطاع العلوم والفضاء أحد أهم القطاعات الرائدة في اقتصاديات الدول الكبرى، مع انطلاق «مسبار الأمل» بنجاح في رحلته إلى المريخ، تأسيساً لمرحلة جديدة في تاريخ الدولة، تحمل آمال وطموحات العالم العربي نحو استئناف مسيرة الحضارة والإنسانية، ورسالة للأجيال القادمة أننا قادرون على استعادة أمجاد العرب.

«مسبار الأمل» ليس فقط إنجازاً فريداً نحتفي به حين إطلاقه فحسب، بل هو روحية إبداع إماراتي، وتجسيدٌ يومي لاستشراف إمكانيات الإنسان والأوطان حتى أقصاها، تجسيداً للتخطيط الطموح واللامحدود الذي تتميز به الإمارات وقيادتها، فقد كان الهدف الأسمى لها خلال الفترة الزمنية القياسية لبناء المسبار، إعداد وتطوير فريق علمي قادر على رفد الأجيال القادمة كافة في العالم العربي بالمعرفة اللازمة للنهوض بقطاع الفضاء وقيادة الطريق العلمي على صعيد المنطقة، فمشروع استكشاف المريخ الذي طوره أبناء الإمارات، يعبر عن رؤية استراتيجية واضحة تضع الاعتماد على الكوادر والكفاءات الوطنية والاستثمار في الشباب والطاقات الابتكارية الكامنة، على رأس أولوياتها؛ حيث ضم فريق العمل أكثر من 150 مهندساً وباحثاً، يعملون بمختلف التخصصات العلمية والتقنية والهندسية والإدارية، إضافة إلى فريق علمي إماراتي تشكل 80% منه نساء، في دليل مهم على قيادة المرأة وتمكينها من أعلى مستويات القرار في الدولة.

ليس هذا فحسب، بل إن انطلاق مسبار الأمل إلى كوكب المريخ يشكل نقطة تحول تاريخية للإمارات والإنسانية، وينعكس إيجاباً على القطاعات الأخرى كافة، بما فيها قطاع الثقافة والفنون، فهذا المسبار مرآة رؤية الإمارات ومنصة عملها المستدام لأجل استمرار الحضارة بريادة عربية.

لقد أدركنا في مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون منذ التأسيس عام 1996، أهمية بناء الإنسان وتنشئته على قيم الإبداع والابتكار والتفكير الحر المتجدد، وأسهمنا، ترجمةً لذلك، في تعزيز دراسات STEAM أي العلوم والتكنولوجية والهندسة والفن والرياضيات، لدورها المهم في إلهام الأجيال الجديدة، وما يحقّقه قطاع الفضاء الإماراتي يدعم هذه الرؤية بل يترجمها إلى إنجازات ملموسة.

إن الخطوة الأهم حالياً بعد هذا النجاح الكبير في إطلاق مسبار الأمل، تكمن في دور قطاع الثقافة والفنون الذي يعد جزءاً أصيلاً من نهضة الدولة، وإحدى ركائز الاستثمار في الإنسان، فكراً وعلماً ومعرفةً، وكياناً وهوية، من خلال مواكبة هذا الإنجاز التاريخي، بالحراك الثقافي والفني الخلاق والمنجز العلمي المبتكر، وتوثيقه للأجيال القادمة، والاستدامة الثقافية بالمبادرات الريادية والفعاليات الاستثنائية في القطاع الثقافي، وتشجيع البحث والتأليف والترجمة وتوثيق المعارف في مجال الفضاء وعلومه، إضافة إلى رفع مستوى الوعي الثقافي المجتمعي بقيمة وأهمية هذا الإنجاز الكبير.

المصدر: الاتحاد