عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

من يعرف سر الكتابة؟

آراء

حتى بعد هذا العمر من الكتابة والكتب، والقراء وآلاف المقالات، لا يزال هناك من يسأل: كيف تكتبون كل يوم؟ سؤال يبدو مغرياً وفاتحاً لشهية الكلام، وكثيرون ممن يطرحونه يريدون أن يعرفوا فعلاً من أين تأتي الكتابة أو كيف تتخلق الكتابة في عقل الكاتب، تماماً مثلما انتابنا ذلك الفضول المبهم حول وجودنا ونحن صغار، من أين أتينا وكيف جاء إخوتنا الصغار؟ إنه الفضول الملازم والقلق حول فكرة الخلق، وتمثل الفكرة في أشكالها العبقرية كالقصيدة واللوحة وكالرواية والقصة والمقال والكتابة الإبداعية بالمطلق!

حين سئل عبقري الرواية اللاتينية غارسيا ماركيز: كيف تكتب الرواية؟ كتب كثيراً وطويلاً وأخرج كتاباً عنونه بـ(كيف تُكتب الرواية؟) لكنه لم يقل فيه شيئاً عن الطريقة الفضلى أو المثلى لكتابة رواية عبقرية كـ«الحب في زمن الكوليرا»، لقد تحدث عن الظروف التي قادته لكتابة هذه الرواية، وهي ظروف وأسباب وإن بدت عادية لنا أو بسيطة، إلا أنها لم تكن كذلك بالنسبة لرجل كانت مهمته في هذه الحياة كتابة الروايات، فقد جاء وعاش ليروي كما قال في آخر كتاب له قبل سقوطه في فوهة الزهايمر.

لا يمكن لكاتب أن يشرح لأحد كيف يكتب، كيف تتخلق الرواية سطراً سطراً ومشهداً مشهداً، كيف يحرك أبطال عمله، لماذا سمّاهم بتلك الأسماء تحديداً، من أين خرجوا؟ من ذاكرته، من تلافيف الحي الذي يسكنه، من حكايات الجدات والنساء الكبيرات، من ثرثرات المقاهي، من الكتب التي قرأها؟ أم من مكان سري يخبئ فيه ذخيرة حكاياته ويخرجها عند اللزوم، كما أخبرته جنيات الحكايات؟

نحن نعرف أننا لكي نكتب نحتاج قاموساً لا متناهياً من الكلمات الخاصة بنا، والتي تحمل الحمض النووي لشخصيتنا الكاتبة، ونحتاج إلماماً دقيقاً بهندسة الكتابة، ونحتاج معجزة التركيب والخلط لنركب الكلمات بهندسة معمارية محددة، مضافاً إليها سر الفكرة الغامض، لتكون الكتابة هي المحصلة، سر الفكرة ذلك هو السؤال!

المصدر: البيان