موسم المتاجرة بالنازحين

آراء

أن تتحول موجة النزوح الواسع من سوريا إلى تجارة مربحة لمجموعات من المهربين أمرٌ لم يكن مستبعدًا في ظل التطورات المأسوية للحرب الأهلية في سوريا وازدياد أعداد القتلى المدنيين.

ولكن أن يصبح النزوح موسمًا لجني مكاسب سياسية ومادية تتسابق عليها دولتان «غيورتان» على الوضع السوري – وإنْ من موقعين متباينين – فهو أمر يعد بمثابة سابقة دبلوماسية تندرج في خانة «مصائب قوم عند قوم فوائد».

الفارق العملي بين عمليتي الاستثمار التركي والروسي لمأساة النزوح السوري أن الأولى تتم بحوافز مادية بالدرجة الأولى – وإنْ كانت لا تخلو من حوافز أخرى – فيما الثانية سياسية وأوسع نطاقًا ربما بحكم حجم روسيا الأوروبي.

ستة مليارات يورو (6.8 مليار دولار) هي قيمة الحافز المالي الذي تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديمه إلى تركيا، لقاء قبولها استضافة النازحين الذين تعيد دول الاتحاد ترحيلهم عن أراضيها.

لافت أن الاتفاق التركي – الأوروبي، الإنساني الدوافع من حيث المبدأ، أنه لا يختلف كثيرًا عن صفقات الاستيراد والتصدير التجارية، فبموجب هذه الصفقة تستقبل أوروبا مواطنًا سوريًا واحدًا من بين مجموعات اللاجئين السوريين إلى تركيا مقابل كل نازح ترحله اليونان خارج أراضيها. وبدورها تعيد تركيا إلى وطنه الأم أي لاجئ «صدرته» اليونان ترى أنه لا يعد لاجئًا حقيقيًا هاربًا من الحرب.

اعتبر الاتحاد الأوروبي اتفاقه مع تركيا بديلاً إنسانيًا لتجارة غير شرعية ومزدهرة باطراد، أي تجارة تهريب النازحين لقاء مبالغ باهظة، وأن من شأنه الحؤول دون تعريض حياتهم للغرق في بحر إيجه.

قد يعد الاتفاق التركي – الأوروبي أكثر رحمة من تجارة عصابات المهربين بمصائر البشر وحتى بأرواحهم. لكنه، بالمقارنة مع الاستثمار الروسي لمشكلة النازحين، يخلو من المكاسب السياسية التي غالبًا ما يحرص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على جنيها في تعامله العسكري والدبلوماسي مع النزاع السوري.

بوادر توجه الرئيس الروسي لتوظيف مشكلة النزوح السوري في خانة مصالحه الأوروبية ظهرت، فجأة، صيف العام الماضي، مع تسريب أنباء عن دخول مجموعات من النازحين المتوجهين إلى أوروبا عبر طريق القطب الشمالي الذي يمر في الأراضي الروسية.

خلافًا لموجة النزوح بقوارب صغيرة من تركيا إلى الجزر اليونانية، التي يتحكم بها عامل الطقس وحالة بحر إيجه، يخضع اللجوء إلى أوروبا، عبر طريق القطب الروسي، بشكل مطلق لقرار السلطات الروسية على اعتبارها منطقة عسكرية تحتضن العشرات من القواعد الجوية والبرية، لذلك أثار وصول النازحين إليها شكوك العواصم الغربية من أن يكون هدف روسيا هو إدراجها على قائمة طرق النزوح التقليدية إلى أوروبا – رغم بعدها عن خط النزوح الرئيسي عبر تركيا – تمهيدًا لاستغلال أزمة النزوح وانقسام مواقف الدول الأوروبية حياله في زعزعة وحدة الاتحاد الأوروبي وانتزاع تنازلات تخدم مصالحها، وتحديدًا تصديع وحدة الموقف الأوروبي من العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها، ردًا على دورها في دعم الحركة الانفصالية في شرق أوكرانيا. وعلى هذا الصعيد يكفي أن تخالف دولة واحدة من دول الاتحاد الثماني والعشرين أي تدبير اتحادي ائتماني الطابع ليسقط رسميًا. وبالفعل اعتبرت فنلندا أن تعمد السلطات الروسية توجيه النازحين عن طريق القطب الشمالي نحو حدودها بمثابة «رسالة» تهدف إلى الضغط عليها، للتراجع عن دعمها العقوبات الأوروبية، وربما إبلاغها انزعاجها من المناورات العسكرية التي تجريها في إطار شراكتها مع حلف شمال الأطلسي.

بمنظور مصلحي، قد لا تلام تركيا وروسيا على توظيفهما أزمة النازحين لتحقيق مكاسب مادية وسياسية. لكن، بمنظور أوسع، يعكس تصرف الدولتين، من جهة، حالة الغموض الطاغية حتى الآن على مصير محادثات التسوية السياسية للحرب الأهلية السورية، ومن جهة ثانية، تبدل نظرة الشارع الأوروبي لمأساة النزوح من نظرة إنسانية إلى نظرة تحسب من استغلال المنظمات الإرهابية عمليات النزوح «لزرع» خلايا انتحارية تستهدف أمنها واستقرارها.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط