وجوه تغيب عنها الابتسامة

آراء

يستيقظ طفلك صباحاً بعد محاولات عصيبة، وفي عينيه صور لوجوه أصدقاء سهر معهم ساعات طوالاً، مع اللعب بالأجهزة الإلكترونية الساحرة، تحاول أنت المبتلى بزمن غير زمنك أن ترسم الابتسامة على وجه الشقي، المعني، ولكن دون جدوى، لأن صغيرك كبر فجأة وهو في سن الطفولة، ومعه كبرت همومه، وتجاوزت حد عمره، حيث الطفولة المنشودة توارت خلف ركام من رماد الأيام، وحيث الفرحة بدت مثل وردة ذابلة على وجنتي هذا الصغير- الكبير، وأحياناً تعتقد أنه أكبر منك سناً، وأنه تجاوز الثمانين من العمر، وتحاول أن تجد الوسيلة، وتعثر على الحيلة، التي تمكنك من التواصل مع هذا الكائن المريب، الغريب العجيب، والذي لا يستجيب لكل محاولاتك، بل ويخضع لفكرة تدور في رأسه، وهي أن ينتهي الدوام المدرسي بسرعة فائقة، ليعود إلى ممارسة وظيفته الرسمية، وهي متابعة شؤون وشجون الأصدقاء على الشاشة الخرافية.

وعندما تقف خلف هذا المنهمك في مهنة ضياع الزمن، وانفلات العمر مثل مياه عذبة تتسرب من أنبوب ماء عطب. تشعر أنك جاهل، وأنك مخلوق قادم من غابة الجهالة، وأنك يجب أن تقطع تذكرة وتذهب إلى عالم آخر قد يتفهم وضعك، ويضمك إلى فريقه، وإن أبى، فعليك أن تدفن رأسك في الرمال، وتنهي هذه المأساة الأليمة التي وضعك في لجتها كائن لا يتجاوز عمره سبع سنوات.

تشعر بعقدة نقص، لأن كائنك الذي خرج من صلبك يشيعك بنظرات الاستخفاف، ويستنكف أن تكون أنت الأكبر سناً وتجربة منه، ومن خلال نظراته الساخطة، تشعر أنه يريد أن يقول لك، اذهب إلى فراشك، ونم ودعني أعيش حياتي، وأعتقد أنه لولا الحياء، لتلفظ بأقذع من هذه الكلمات، وتقول أنت إنه لولا صغر سنه لأبدى تصرفاً، يندى له الجبين، فتحمد ربك على هذا الحال، وتستعيذ مما قد يكون أقسى وأنكى من هذا الوضع الذي وصلت إليه الحضارة كما يدعون، وكما يبررون، وكما يتذرعون، وكما يهرطقون.

اليوم، وبعد هذا المشوار الطويل من التغير الاجتماعي في كل أنحاء العالم، والتحول الذي شمل الروح والجسد، علينا أن نفرمل قليلاً، وننتبه للإشارات الحمراء التي تطلقها تصرفات الأبناء، وما يبدر منهم من سلوكيات تنذر بعواصف قد لا تستطيع القوانين ردعها، وأن تتمكن النظم من ردمها، ولن يتجرأ أحد أن يقول إن ما يحدث كارثة إنسانية يجب لجمها، ويجب إيقاف طوفانها.

هذا أمر قابل للحدوث في عالم وقع ضحية لخدعة بصرية، طغت على الوعي، وحولته مسرحاً لارتكاب الأخطاء الفظيعة.

تحت سجادة الحرية، هناك الكثير من البكتيريا، والتي قد تصيب الإنسانية بالأذى، وخلف ستارة الشفافية هناك الكثير من التقرحات في جلد الأفكار، تحتاج إلى معاينة، وفحوص دقيقة، حتى لا يتفشى مرض التقليد الأعمى، وبعد ذلك نبكي على «العسل» المسكوب.

أطفالنا هم رجال المستقبل، فيجب ألا ندعهم فرائس بين مخالب لا هم لها سوى الربح، وإنْ كان على حساب المصير، والمستقبل.

أما عنا نحن في الإمارات، فقد استطعنا أن نحقق مشاريع مدهشة، في فترة زمنية قصيرة جداً في عمر الشعوب، وهذه النجاحات تقف وراءها قيادة حكيمة، واعية بأهمية أن نواكب الحضارة الإنسانية، وأن نسبق غيرنا في الحداثة، لذلك فإن تربية جيل يعي مسؤوليته ويلتزم بأخلاقيات التقدم والنهضة، هو أمر جوهري، علينا نحن أولياء الأمور التمسك به.

المصدر: الاتحاد