وقف المليار وجبة

آراء

تبهرني هذه الصفحات البيضاء من غير سوء، تدهشني هذه الأيادي التي تعمل بكفوف مخضبة بالقيم العالية الشيمة.

تشعر وأنت تقرأ المشاريع الإنسانية العظيمة في بلادنا، وكأنك تجلس أمام المرآة، وتستدعي تاريخ أمة زخرت بمعطيات استثنائية لا شبيه لها في العالم.

صور خلابة من البذل والعطاء، لأجل إنسانية معافاة مشافاة من أدران وأحزان، وأشجان.

هذه الصورة اليوم تتربع على عرش الإمارات المجيد، وتمضي حقباً نحو بناء حزام أخضر يلف خصر العالم، ويطوق عنقه بقلائد من فرح، مثل هذه المشاريع تبدو في تاريخ الإمارات، بارق أمل، وطارق بلا وجل، وحلم أمة استطاعت أن تدخل الوجود، بمفاتيح الوعي بأهمية أن نتواصل، وضرورة أن يكون تواصلنا معطراً ببخور الحب، نعم الحب وحده إكسير حياة، وعندما يحضر الحب تنقشع غيوم الكراهية، عندما يحضر الحب، تزول الكآبة عن الوجوه، وتنفرج الشفاه عن ابتسامة يشرق لها الوجود، ويغني الطير، والشجر يصفق حبوراً، لأن في العالم هناك بلد في أطراف الخليج الحبيب، يعمل على إضاءة العالم بمصابيح العطاء، لإزالة نشارة الخشب التي خلفها نجارون غير مهرة، قطعوا أشجار غابة الفرح لمجرد تصاعد حدة الجشع في نفوسهم، ولمجرد اعتقادهم بأن العيش من أجل البقاء هو جوهر الحياة، وهو ما جعلهم يفترسون الجمال في هذه الحياة، ويبيدون سنابلها الخضراء، بينما الأصل في الحياة أن تعيش من أجل تلوين وجه الحياة بالفرح.

وقف المليار وجبة، هو فتح نافذة على الحياة، وطرد دخان العوز، والبحث عن طرق غير تلك التي تتجذر فيها الحاجة المستحيلة.

الإمارات تفعل ذلك، لأنها تنطلق من موروث اجتماعي ساد في وجدان الناس منذ مئات السنين، ولم تنزعه الحضارة، بل لم تغير من لونه، لأنه أصبح مع الزمن جزءاً من الدماء تسري في العروق، أصبح جزءاً من الحياة في ضمير كل إماراتي.

دول عظمى، وثقافات تسرح وتمرح في الإعلام في كثير من الدول وتتغنى بأنها الأكثر سخاء في الكون، وأن ما يحدث في العالم من انفراجات، هو من وحي عطائها، ولكن عندما نتأمل المشهد بحيادية، تصدمنا الهراءات، ونصاب بالدهشة، لأن الكذبة على الصفحات الإعلامية في تلك الدول، مثل البارق، وأن ما يقال ينسف ما يحدث على أرض الواقع.

وكل ما أتمناه هو أن تتوقف الحروب العبثية، والمعارك المجانية، ويتم توفير المبالغ الطائلة التي تحترق في نيران الكراهية المتصاعدة، لأجل وجبة تسد جوع محتاج، ولأجل لقمة تمنع الشظف عن نفس طريرة.

أتمنى أن يخرج في العالم إنساناً أخلاقياً، يملك الشجاعة، فيصرخ في وجه الجميع، فيقول: انظروا، نريد كل الدول في العالم، تحذو حذو الإمارات، فسوف يصبح العالم في اليوم التالي، يسبح على نهر من سلام نفسي، يعم البشرية، سوف يصبح العالم على ابتسامة بحجم المحيطات، فقط طيبة من شخصية إنسانية مهمة، ستصبح شجرة طيبة مثمرة، جذرها في الأرض، وفرعها في السماء.

نتمنى أن يتخلص العالم من هذا الغبار النفسي الذي سد رئة العالم، وملأ غرف الوجود بهواء ملوث، قاتل.

أتمنى أن يتغير العالم في لحظة إشراقة وعي، وتتلاحم الإرادات لنبذ الحروب، وكسر قاعدة «أنا ومن بعدي الطوفان» وهدم قيم بالية ورثتها البشرية، ولا بد من الفكاك منها، لأن العالم شابت ذوائبه، وهو يخوض معاركه الخاسرة، ويقتل ويفتك ويشرد ويثكل ويرمل، ولا أحد ينتصر، فالمنتصر مهزوم في أي حال من الأحوال، طالما يوجد في العالم إنسان مكسور.

المصدر: الاتحاد