الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
لم يحدث في تاريخ العالم العربي، مشرقه ومغربه، أن كان على مثل هذا التفكك الداخلي والحصار الإقليمي. والإقليمي هنا، تمييز عن المراحل الاستعمارية، التي كانت تشمل الشعوب الأخرى أيضاً. لكننا اليوم أمام حصار سِمتُه الأولى علانيته الفاقعة، أولاً، كهوية وأهداف دينية مذهبية، وثانياً، كهوية عرقية قومية توسعية منذ آلاف السنين: إيران وتركيا وإسرائيل. إيران تنشر أساطيلها و«مستشاريها»، وتركيا طائراتها ومرتزقتها، وإسرائيل تضيف إلى الاحتلالات ما تبقّى من فلسطين التاريخية. إيران ذات حكم مذهبي رسمياً وشعارات مذهبية علناً، وتركيا تحت حكم «الإخوان المسلمين» ومشروعهم المعلن، وإسرائيل تستعد لإعلان الدولة اليهودية. في المقابل، هناك تهافت عربي لم يُشهد له مثيل حتى في أيام الاستعمار: سوريا في قلب الانفجارات، وعلى حافة الإفلاس، والعراق ما بين الأمل الأخير والخوف الأخير، ولبنان أُقحم في مجموعة الدول الفاشلة اقتصادياً واجتماعياً، وفاضت فيه رائحة الوقاحة المفضية إلى الخراب الوطني. تحاول القوى الثلاث تهديم المؤسسة العربية التاريخية: إيران تضرب السعودية والخليج العربي بكل الوسائل، وتركيا تضرب مصر بكل…
الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
ليل يذهب، وفجر يطل، وعالم يستيقظ على بؤرة خطر، تنبه فيه الحاجة إلى مصل يرتب وجدان السياسة، ويزيل عن كاهلها غبار العصاب، ويفتح نافذة لاتحاد عالمي ضد كارثة لم تفرق بين يمين أو يسار، ولا بين شرقي أو غربي، فالجميع في المصاب سواسية وهذه هي سنة الطبيعة، إنها لا تميز، ولا تتحيز، فهي الطلقة التي تذهب إلى حيث يكمن ضعف الإنسانية، وجهلها بأهمية الاصطفاف حول كلمة سواء، والخروج من تأتأة الارتياب والشك، والريبة، واضطراب المشاعر، وتفجر الأنا بحيث تصبح أشد ضراوة من الوباء نفسه. في آونة المصاب الجلل الذي حلّ بالبشرية، تكشفت كريات دم ضعيفة أصابت الجسم البشري بالعجز، في مواجهة وباء العصر، وصار لزاماً على الجميع وضع سماعة جس النبض على القلوب، لتحاشي أي انزلاق في هبوط ضغط الدم، وفقدان السيطرة على التوازن الأخلاقي، وانحسار الضمير البشري، والإصابة بعد ذلك بفقدان الوعي. نحن اليوم بحاجة إلى التضامن أكثر من وقت مضى، نحن بحاجة إلى التخلص من الأنا، والإمساك بقوة…
الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
لسنا ضد الانتقاد، وهو سلوك حضاري مطلوب، إن كان الهدف منه التطوير أو المصلحة العامة، ولكن هناك فرق كبير بين النقد والتجريح والتشهير. تحدثت عن ذلك بالتفصيل في مقال سابق، وأعود اليوم للإشارة بوضوح إلى مثال واقعي، يوضح الفرق بين النقد والإساءة! هذا المثال حدث في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وللأسف من مسؤولة «حكومية» تحمل درجة «مدير عام» في حكومة دبي، علّقت على انتقاد موجّه إلى تلفزيون دبي، بتأخير موعد أذان العشاء، قائلة: «شكلها وكالة من غير بواب»، وتقصد بها القناة التلفزيونية! ورُغم أن هذا الانتقاد في الأساس لم يكن دقيقاً، حيث أثبت الإخوة في إدارة القناة، بالدليل والصورة، وبشكل موثق، أن الأذان رُفع في توقيته الصحيح، إلا أنه ومع افتراض حدوث خطأ من أي نوع كان، سواء في التلفزيون، أو في أي مؤسسة حكومية، فهل يجوز لمسؤول حكومي يعتبر شريكاً وزميلاً وعضواً في الفريق الحكومي ذاته، أن يسيء لزملائه وشركائه، بهذا الأسلوب الحاد من السخرية؟! إن كان الهدف هو…
الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
يمكن أن يصنف الإعلام من الخطوط الأمامية في حفظ مكتسبات وسمعة الدول والإنجازات التي تحققت خلال أعوام، ولكن بطبيعة الحال اليوم أصبحت المنابر الإعلامية متاحة لدى الجميع، وتتفاوت الآراء والأذواق تجاه الوسائل الإعلامية سواء المحلية أو الخارجية. ينبغي هنا أن ندرك أمراً هاماً بأنه لا وجود نهائياً في العالم لما يسمى إعلاما مستقلا، فكل وسيلة إعلامية لها توجهاتها وسياساتها التحريرية وربما أجندتها الخاصة. ولكل وسيلة طريقتها الخاصة في صياغتها للمواضيع والتحقيقات بصورة ذكية وهو ما يجعلها تنجح في خداع القارئ أو المشاهد بأنها مستقلة، وهذا ما تمارسه العديد من وسائل الإعلام الأجنبية عند مخاطبة مجتمعاتها الغربية تجاه القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. الدول اليوم انطلقت لتخاطب الخارج، تنقل ثقافتها وتبرز قوة اقتصادها وأمنها، بل أن هناك دولا أصبح إعلامها رادعاً كقواتها المسلحة لأي طرف يتحدث بسوء عنها، وتجعله يفكر بالتداعيات التي قد يتسبب بها، لذلك أصبح لدينا تصور عن قوة بعض الدول ونجاحاتها ولربما أصبحنا مغرمين بها بسبب إعلامها دون حتى…
الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
عندما قرأت هذه العبارة: «إن وردة جاكيت البدلة تعود إلى القرون الوسطى، عندما كان الجنود يحاربون في المعارك، تقوم زوجاتهم بجمع الورود من حديقة ما أو من فستان العرس نفسه، وتقوم بوضعها على الدرع الذي يرتديه أزواجهن، اعتقادا منهنّ أن هذه الأزهار تحميهم وترمز إلى حبهم الأبدي، وفي القرن السابع عشر بفرنسا، كان المدعوون الرجال يضعون هذه الوردة على القبعة، لإبعاد الحظ السيئ». عادت بي الذاكرة إلى 40 سنة للوراء، عند زيارة والدي لعمتي التي تستمهله قبل انصرافنا لتعدّ له -على عَجَل- قبضة من النباتات العطرية الموجودة قبالة منزلها الريفي، وتختار منها غصن ريحان صغيرا، يليق بالجيب العلوي لثوب والدي، ثم تقبلني وتعطيني باقة من النباتات العطرية المتنوعة في يدي كي أعطي والدتي، وما زالت هذه العادة الجنوبية يتحمس لها البعض، خصوصا يوم الجمعة، قبل الذهاب إلى الصلاة، فتعد لهم أمهاتهم وزوجاتهم «طيبا/ لفافة ورد وبرك وريحان» بحجم الجيب العلوي الصغير للثوب، كجزء من اكتمال الأناقة لكثير من أبناء جنوب…
الخميس ١١ يونيو ٢٠٢٠
بعد شهور من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة وباء «كوفيد 19»، بدأ المجتمع وبتعليمات دقيقة من الجهات المختصة بالعودة للعمل وممارسة الشؤون اليومية بشكل تدريجي ومدروس، ما يعني الانتقال نحو مرحلة جديدة من مكافحة المرض وتجاوز التحديات التي يفرضها على مختلف نواحي الحياة. إن هذه العودة لا تعبر عن اختفاء الفيروس أو زوال الخطر، بل عن قدرة البشر على ابتكار أساليب جديدة ومبدعة للعيش، تقلص من إمكانية الإصابة بالفيروس للحدود الدنيا وتحفظ للحياة دورتها الطبيعية في الوقت ذاته، وهنا يأتي دورنا كإعلاميين في توجيه الجمهور نحو الانتصار على الوباء وليس التعايش معه، ونحو ترسيخ الوعي والانتباه لكافة تفاصيل حياتنا حتى تلك الصغيرة منها والتي نظن للحظة أنها غير مهمة. قرار العودة للنشاط اليومي هو في الحقيقة رهان على الوعي الفردي والجماعي وإيمان بقدرة البشر على الارتقاء الدائم بأشكال وأساليب حياتهم، هذه القدرة التي أثبتوها بكفاءة في محطاتهم التاريخية الحاسمة، عندما انتصروا على تحدياتهم وطوروا ممارساتهم وأدواتهم حتى وصلنا إلى…
الخميس ١١ يونيو ٢٠٢٠
الإمارات، الدولة العربية الأكثر أماناً للعيش، في ظل جائحة «كوفيد- 19»، تبعاً لتقرير نشرته مجلة «فوربس» الأميركية، واختبرت بموجبه مؤشرات عدة في مواجهة الفيروس، خلال الشهور الماضية في مئة بلد، وقد جاءت الإمارات في المرتبة الحادية عشرة عالمياً، متقدمة على معظم الدول الأوروبية، والولايات المتحدة. المؤشرات تقصت معايير كثيرة، مثل «كفاءة الحجر الصحي والمراقبة والكشف والاستعداد الصحي والكفاءة الحكومية»، وهذه كلها تشكل العوامل الأكثر فاعلية في المواجهة والتكيف العام مع الجائحة، وتكشف مدى متانة قطاعات الدول الصحية والاقتصادية، وقدرتها على احتواء الصدمات الاجتماعية عند انتشار الأوبئة. موقعنا في هذا التصنيف يمنحنا ثقة تتعدى مواصلة النجاح في التصدي للوباء، مع استمرار انتشاره صيفاً، ووسط توقعات علمية بموجة ثانية الشتاء المقبل، فنحن نتعامل محلياً مع أزمة عالمية، ترتفع أرقام ضحاياها في كل لحظة، وتعصف بأكبر الاقتصادات، وتضع أسساً جديدة للسياسة الدولية، وكل نجاح في هذا السياق ينطوي على اكتشاف لمكامن قوتنا في إدارة الأزمات الكبرى، سواء في ظل «كورونا» أو غيرها. الإدارة…
الخميس ١١ يونيو ٢٠٢٠
في ضوء كل ما يحدث الآن في العالم من ردات فعل بشأن قضية جورج فلويد، والعنصرية الأمريكية ضد السود، فإنني ألاحظ أن كثيرا منا هنا ومن بعض العرب يتحمسون للقضية، ويتفاعلون معها بهاشتاقاتهم، أو من خلال نشر الصور والرسومات وغيرها من طرق التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنك لو جئت لهؤلاء المتعاطفين وفتّشت دواخلهم، لوجدت أن العنصرية تعششّ في نفوسهم، وتظهر في سلوكياتهم ومفرداتهم داخل مجتمعاتهم، وهم لا يشعرون، ولوجدت أنهم متلوّنون بالعنصرية القبلية أو المناطقية أو المذهبية تجاه الآخر، ممن هم ليسوا من أهل البلد، وستجد أن منهم من يحفل قاموسه اللفظي بعبارات عنصرية لا يجيزها النسيج الوطني المتوحد، ومع أنه ليس عيبا أن تشارك وتتعاطف مع جورج فلويد والسود في أمريكا، بل من المهم والإنساني أن تتعاطف وتتعظ، لكن العيب والمخزي هو إذا تعاطفت مع هذه الثورة فقط لمجرد أن الإعلام أظهرها وأبرزها، في حين أنك فشلت في أن تتعاطف مع الفئات التي تعنصرت ضدّها، واستخدمت سيادة جنسيتك…
السبت ٠٦ يونيو ٢٠٢٠
هل ما زال مفهوم الدبلوماسية القائمة على أفكار رواد القرن العشرين، ودبلوماسية الحرب الباردة تفرضُ نفسها كما كانت ذي قبل؟ وهل المفهوم نفسه هو ما قال به العديد من مُفكري العلوم السياسية بين القوة الكامنة لدى الدول، وقدرتها على تقديم العطاءات بديلاً عن الحروب والنزاعات، أو كما قال مارك توين تقوم على مبدأ: «الأخذ والعطاء، أعطي واحدة وآخذ عشرة؟». الدبلوماسية كمفهوم بدأت تدخل عليه عوامل جديدة، تساهم في تغير المفهوم في العلاقات الدولية، وهذا ما ظهر في ظل أزمة كورونا، فلم تعد الدبلوماسية هي القوة الجامحة التي تتحرك من قبل القوى العظمى نحو الدول الأقل قوة أو الأقل تقدماً، وقد يتحول شكل الدبلوماسي من صورة الشخص الأنيق من ذوي الياقات البيضاء، إلى العالم أو الطبيب أو المخترع ذي السترات البيضاء. في خضم أزمة الوباء العالمي الذي يشهده العالم، أصبحنا نفهم هشاشة العالم الذي نعيش فيه. حيث كشف لنا العدد المتزايد للوفيات يومياً عن مدى ضعف البلدان التي يُنظر إليها أنها…
الخميس ٠٤ يونيو ٢٠٢٠
اليوم قررت أن يكون هو الاحتفال باليوبيل الذهبي لكلمة ظلت واقعا ملموسا لمدة خمسين عاما هو عمر الزمن الذي اعيشه. ولم يطرأ على هذه الكلمة اي تغيير من شدة متانتها وأصالتها في مجتمعاتنا العربية وهي الكلمة الصامدة في وجه طغيان الحق الذي حاول مرارا وتكرارا أن يزيحها من على المشهد المألوف عند الناس. واليوبيل الذهبي رغم انها كلمة عبرية وتعني الاحتفال بيوم وطني او عيد زواج او غيره فيما لا يتجاوز الخمسين عاما. فقد اخترت ان امنح جائزة اليوبيل الذهبي هذه المرة ليس لحدث أو مناسبة وطنية كما يعتقد البعض او الاحتفال بيوم مولدي او زواجي أو تخرجي بل الاحتفال بالكلمة السحرية التي فتحت الأبواب الموصدة وتكسرت على لطمات امواجها اعتى الصخور وتلاشت كل الشهادات والخبرات وتم غض الطرف فيها لأمور لا يجب أن تكون وهي من تربعت على عرش الفساد قولا وفعلا واخرجت لنا جيلا خلف جيل يكرس لذلك المفهوم حتى اصبح عقيدة سلوكية لدى المجتمع. أنا من طرف…
الأربعاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٠
التسامح هو أحد سُبل تعزيز العلاقات الاجتماعية والتعايش بين الأفراد، وتعدّ الإمارات نموذجاً فريداً للتعايش والانفتاح على الآخر، خاصة أن 200 جنسية تعيش على أرضها بكل محبة وتسامح، وهو الأمر الذي يجعلها تستحق لقب دولة التسامح دون أي منازع. سر نجاح المجتمع الإماراتي ليس التطور الاقتصادي فقط، بل قيامه على أسس التسامح والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف الفكري، إلى جانب الاهتمام بالآخر، فأصبح الجميع يعيش كأسرة واحدة، وهو الأمر الذي نجم عنه تحقيق السعادة والتميز. التسامح في الإمارات امتداد لمسيرة طويلة نراها في المعاملة الحسنة بين المقيم والمواطن والزائر، فالإمارات حفرت اسمها عميقاً على خريطة العالم بوصفها صانعة التميز في الإنجاز مع بصمة خاصة بالجودة والتفرد، إذ تتقن تحقيق الوعود وتجسيد الطموحات واقعاً ونجاحات على الأرض، لتحصد ثقة عالمية بلا حدود، وتواصل مسيرة الإنجاز والنجاح التي لطالما رسمت ملامح تاريخها وحاضرها ومستقبلها. ولقد أطلق معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، أحدث دورات برنامج «فرسان التسامح» عن بعد، ويركز…
الأربعاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٠
كان الكاتب الأفرو أميركي جيمس بالدوين، يقول إن مشكلة الرجل الأبيض ليست في أنه لا يعرف الرجل الأسود، بل في أنه لا يعرف نفسه. راجع هذه الكلمات في ضوء مشاهد الجحيم المفتوح في المدن الأميركية، حيث تقابل وحشية الشرطي الأبيض بوحشية المتظاهر الأبيض أيضاً. حرائق ودمار وخراب بدل مظاهرة صامتة مثل تلك التي حملت مليون أسود ذات يوم إلى البيت الأبيض. العنف إحدى سمات المجتمع الأميركي. وسببه العميق الخوف من الآخر وعدم الاطمئنان إليه. ولذلك، اندفع الأميركيون إلى شراء الأسلحة بعد «كورونا» على نحو غير مسبوق، خوفاً من انتشار السرقات والتعديات. والولايات المتحدة هي ربما البلد الوحيد في العالم الذي يشرِّع اقتناء السلاح الفردي، ويسهل شراءه من دكانة الحي. و«اللوبي» الوحيد الأكثر قوة من «اللوبي» الإسرائيلي هو «لوبي» البندقية الأهلية. هي ثقافة تلقى معارضة كبرى، لكن هذه المعارضة لا تزال أضعف من تحقيق أي تقدم. يشد في أزر هذه الثقافة مشاهد مثل التي تفجرت بعد خنق جورج فلويد. يشعر الأميركي…