أسس في رؤوسنا

آراء

خاص لـ هات بوست:

من ضمن الأمثال الشعبية المستخدمة في بلاد الشام “الحسن أخو الحسين”، لا أعلم مصدره تماماً، ربما يعود للفترة الأيوبية، يستخدمه الناس دون قصد كغيره من الأمثال، لكن للأسف بمعنى أن الطرفين أسوء من بعضهما، ولا أعتقد أن مسلماً محباً للرسول (ص) سيذم سبطيه مثلما أريد لهذا المثل أن يوظف.

وإن كنت لست بصدد هذا الموضوع، لكنه يحضرني بمعناه غير المباشر، إذ فيما نتخوف من صعود طالبان التي تحاول جاهدة تصحيح صورتها، تبرز “داعش” أفغانستان لتنفذ عمليات انتحارية ضد مصلين شيعة، فتقتل وتصيب العشرات، لتبدو الأولى وكأنها رائدة الانفتاح والتقدم، ونحتار أيهما الشبل وأيهما الأسد؟

وإن كنا نعتقد أنفسنا بعيدين عن الأمر، فالواقع غير ذلك، وبالأمس القريب كانت داعش تعيث فساداً في بلادنا، حتى لو انحسرت قليلاً، لكن بعضاً من التمحيص فيما حولنا يظهر لنا أنها فكرة لا تنحسر، بغض النظر عن الرؤوس المدبرة والمؤامرات وكل ما يقال عن كونها صنيعة هذه الجهة أو تلك، فالأسس معششة في رؤوسنا ومكتباتنا ومدارسنا ومناهجنا، ويمكنها إعادة تشكيل القوالب اللازمة أنى شاء الأشرار على هذه الأرض.

والسؤال الذي قد يتبادر للذهن هو كيف لشاب أن يقتنع بتفجير نفسه في أبرياء مصلين ليقتلهم لولا أنه مؤمن بقضيته، فالحياة الدنيا وفق دينه مذمومة، والله يترصد خطواته كيفما تحرك، والحرام لا حدود له، ثم أن الله تعالى أمر بقتل الكافرين أينما وجدناهم، وهؤلاء كافرون، وهذا هو الجهاد في سبيل الله، وإذا كان دخول الجنة غاية في الصعوبة، فأنت ستدخلها شهيداً، وهي فاتحة أبوابها للقاءك، وستحظى بالتقدير في الدنيا والآخرة.

علينا امتلاك شجاعة الاعتراف بأننا في مرحلة من مراحل الدراسة قد تلقينا نوعاً من هذه الأفكار، دون تحديد الكفار تماماً، فالوصف يبقى مفتوحاً وفق اختلاف المواقف، والقائمة تطول وتقصر، لكنها مبنية على اعتبارات مستلهمة من تمايز بين الطوائف والملل والأديان.

لكن المفارقة تكمن أن الأجيال تناقلت ديناً مركباً على مواقف سياسية، لا يمت بصلة للإسلام الذي جاء به الرسل على امتداد العصور وختمه الرسول محمد، فبينما الإسلام في التنزيل الحكيم يقوم على الإيمان بالله الواحد والعمل الصالح، ورثنا إسلام أركانه خمس شعائر من لم يقم بها كافر، وفي الأول كل الناس مهما اختلفت عقائدهم حسابهم على الله في الآخرة، في الثاني نقتل من يخالفنا حينما تسمح لنا الظروف، في الأول القتال “كره” وشروطه صعبة، في الثاني اعتمدنا على ظروف معارك القرن السابع الميلادي ونريد تطبيقها حتى قيام الساعة، في الأول الشهيد من حضر الواقعة، في الثاني الشهيد من قتل أكبرعدد من الناس، في الأول سبيل الله هو طريق الحرية لكل الناس مهما اختلفوا، في الثاني القتل أول السبل، والأهم من هذا كله أنه في الأول الله تعالى خلق الإنسان وكرمه ونفخ فيه من روحه وسخر له كل ما في الكون ليحيا مع غيره بسلام، في الثاني خلق الإنسان ليموت.

هل لنا أن نعيد تصحيح الصورة في عقولنا قبل أن نطلب من القاعدة وداعش وطالبان وأمثالهم ألا يتوالدوا مرة بعد أخرى؟ من حق الله علينا أن نتدبر كتابه لنكتشف مدى بعد مفاهيمنا عن الحقيقة، ومن ثم نتبرأ من هؤلاء وأشباههم.