جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

أن تكون إنساناً

آراء

خرج من نافذة غرفته في الطابق الأخير، يائسا من كل شيء، أراد أن يقفز و ينهي كل شيء، لم يعد هناك قيمة للأشياء من حوله ويعتقد في قرار نفسه أنه ليس ذا قيمة، من الأعلى تبدو المدينة صغيرة ومختلفة ولم يكن يعرف حينها أن كل المشاكل الكبيرة عندما نراها من زاوية أخرى تبدو صغيرة و وقعها مختلف، وأنا هنا لا أقلل من المشاكل لكن دائما هناك نظرة أخرى!

ببطء كفارس جبان يريد أن يهرب من المعركة يتسلق الجدار لينهي حياته، أخذ القرار في لحظة ضعف وقرر التنفيذ، الآن ثوانٍ تفصله عن النهاية، يظن بجهل أنه سيرتاح ويريح، ما يهمه الآن أنه لا يريد أن يكون في هذه الحياة!

فجأة يراه جاره ويصرخ عليه: يا مجنون ماذا تفعل؟ لا تتهور!

التفت بحزن عليه وتساءل بصمت هل هو فعلاً مجنون؟ وهل اختيار الموت جنون؟

ما هي إلا ثوانٍ حتى تجمع جمع غفير الكل ينظر إليه، بعضهم يصرخ لا تفعل وآخرون دخلوا إلى العمارة ليساهموا في إنقاذه.

فرق من الطوارئ والإنقاذ في الطريق، الكل أتى ليشهد ويشاهد، كيف يستطيع هذا الإنسان أن ينهي حياته بهذه القسوة والألم، ولماذا اختار أن ينتهي كأشلاء ما أقساها من ميتة وما أصعبها من نهاية.

لحظات تمر وتحول المكان لساحة حرب و في نظري “لساحة حب”، والكل بانفعال يصرخ لا تفعل.

هذا المشهد السابق كان جزءا من فيلم وثائقي قديم عن الانتحار، كنت أشاهد الفيلم وأتساءل عن ردة فعل الناس وكيف كان هذا الرجل المهمل بمشاكله، الوحيد بهمومه يصبح في لحظة حديث الناس، الكل يريد أن يتحدث معه ويساعده، للنفس قيمة وقدر لا تهدر هكذا بتسيب تحت أي ظرف، قد كرم الله عز وجل الإنسان، هذا الإحساس يجمعنا ونحن كمسلمين عندما تمر علينا جنازة نقف بصمت وإجلال، نطلب له المغفرة ونتذكر ونعتبر من الموت، لا تهون علينا أنفسنا ولا أنفس غيرنا، وبفطرتنا ندافع عن حق الجميع بالعيش ونتألم للموت والدمار في ما حولنا، نبكي معهم وندافع عنهم، نعشق بلادنا وعوائلنا و نتمنى الخير للجميع ونعرف جيداً أن على هذه الأرض الجميلة ما يستحق العيش وهذه هي الإنسانية.

أن تكون إنسانا هو أن تحمل التسامح معك والغفران في قلبك

أن تكون إنسانا أن يكون وقودك في هذه الحياة مبادئك

أن تزرع المحبة في بساتينك و تنثر الاهتمام في أرضك

أن تتألم لآلامهم وكما تفكر في نفسك فكر بالآخرين

أن تكون إنسانا هو أن تؤمن بالمساواة ما بين البشر فالخالق واحد والمصير واحد

في نهاية الفيلم الوثائقي غير صاحبنا اليائس رأيه وتم إنقاذه من الموت، فرح كل من كان في الساحة، صفق بعضهم ورفعوا علامة النصر، تفرق الجميع بعدها، كل في طريقه يمارس حياته.

وظل السؤال حاضراً مالذي بحق جمعهم!

المصدر: جريدة الاتحاد