السعودية: قاعة المحكمة ملتقى المشاعر المتناقضة

منوعات

الزواج - الطلاق

تعج المحاكم في السعودية يومياً بمئات المراجعين، الذين تتعدد مطالبهم وتتنوع مشاربهم. فمنهم من يخطو على مهل وعلى كاهله ألف هم وهم، ومنهم من يسير وابتساماته لا تفارق محياه من شدة الفرح.

هناك يجتمع الأضداد في قاعة واحدة، سيدة تتلقى التهاني والتبريكات بخطبتها، وإلى جوارها أخرى تمسح الدمع من عينيها، حاملة صك الطلاق.

في قاعة الانتظار ثمة رجال ونساء يسرحون ويستذكرون شريط ذكريات جميلة بدأت فصولها في هذه المحكمة قبل أعوام، وانتهت اليوم في المكان ذاته. تقول المطلقة سارة عبدالله (36 سنة): «طلقني زوجي قبل 3 أشهر، ولم يكن وقع الطلاق كبيراً علي نظراً لكثرة المشاكل بيننا. وبعد أن حضرت إلى المحكمة بدأت الذكريات تقتلني، فقد تذكرت فرحتي وعائلتي بذلك اليوم، وإلى جواري والدتي، وأنا وزوجي نسترق النظرات على استحياء، كانت فرحة لا توصف»، وتضيف: «في المقابل، أحضر اليوم وعلي أن أقتل تلك الذكريات وأعتبرها كأنها لم تكن».

وتشبّه الجازي فيصل (29 سنة) حضور المحكمة التي تم عقد الزواج فيها من أجل استلام صك الطلاق بـ «تصفحّ صور تجمعنا بأشخاص نحبهم، وقد فارقوا الحياة». وتؤكد أن «المرأة حساسة جداً، ولا تستطيع أن تفصل الأماكن عن الذكريات»، لذا لا تنصح أي مطلقة بحضور المحكمة من أجل استلام صكّ الطلاق.

وترى زينب سعد (33 سنة) أن «الطلاق لا يمثل نهاية الدنيا، وبمجرّد حدوثه ينبغي فتح صفحة جديدة وعدم التفكير في ما مضى». ويؤكد خالد عبدالله (38 سنة) أن الرجل يثأثر هو الآخر بالانفصال عن زوجته لا سيما في قاعة المحكمة، إذ إن «المرحلة تعتبر النقطة الفاصلة، وتمثّل نهاية حزينة لعشرة دامت أعواماً». ويوضح أنه «في ذلك الوقت لا يتذكر كل من الزوجين سوى الأيام الجميلة التي جمعته بالآخر، وبالتالي يكون وقع القرار كبيراً على الطرفين».

ويرى سعود محمد (34 سنة) أن التأثر بأجواء الزواج والطلاق تتعدّى الأزواج إلى الشهود، مشبهاً مجلس عقد الزواج بـ «العرس» ومجلس الطلاق بـ «العزاء»، ويقول: «كثيراً ما أمتنع عن الشهادة في الطلاق، للتهرّب من مواقف حزينة قد تصاحب الحدث، إضافة إلى أنني لا أحبذ أن أكون حاضراً في موضع الهدم، حتى وإن كان بمثابة الحل أحياناً، إلا أنه يظل أبغض الحلال عند الله».

في المقابل، يحرص مختار كما يقول أن يكون أحد الشهود في عقود نكاح أصدقائه وأقاربه، «لكونه أحد مظاهر الفرح».

وتعتبر اﻹعلامية المختصصة في القضايا الاجتماعية سارة القحطاني، أن «الطلاق في حدّ ذاته مصطلح قاس مرعب، حتى لمن ليس له شأن به. فمن الطبيعي أن يخلّف مشاعر سلبية كثيرة لدى الطرفين بمجرّد حدوثه»، مؤكدة أن «المرأة تنال النصيب الأكبر من الأثر النفسي والاجتماعي مهما كان سبب الطلاق، لأنها وبمجرد طلاقها تحاصرها الضغوط النفسية المتمثّلة في نظرتها إلى نفسها كمطلّقة ونظرة المجتمع إليها، ومن ردّ فعل اﻷهل حيال ما حدث، إضافة إلى خوفها من المستقبل»، وتضيف: «اﻷنثى في النهاية أسيرة مشاعرها، والطلاق معناه نهاية حياة بالنسبة إلى كثيرات».

وتؤكد القحطاني أن «بعض النساء يفقدن الثقة بأنفسهن بمجرّد حصول الطلاق، وبعضهن اﻵخر يساعدهن الطلاق على تحمّل المسؤولية، وعلى تعزيز قوتهن وثقتهن في أنفسهن».

وفي نظر القحطاني يظل الرجل في المجتمع السعودي اﻷقل تأثراً، واﻷقل خسارة، وفي إمكانه أن يبدأ حياة جديدة مع امرأة أخرى.

يذكر أن مجموع ما أصدرته 141 كتابة عدل في السعودية في العام من صكوك وعقود، بلغ 2162735 وثيقة، في حين بلغ عدد عقود النكاح 160271 عقداً، وصكوك الطلاق 34490. وبذلك تصل نسبة الطلاق في السعودية وفق تقرير وزارة العدل إلى 21.5 في المئة.

وأكد مستشار وزير العدل الدكتور ناصر العود، أن نسبة الطلاق في المملكة ظلت مستقرة، بين 18 و22 في المئة من عدد الزيجات خلال الأعوام الخمسة الماضية. وكشف في السياق عينه عن مشروع يتضمّن إعطاء معلومات كافية لكل من الزوج والزوجة قبل عقد النكاح، وهو مشروع في مراحله الأولية. وأشار العود إلى أن الوزارة، من خلال السجل القضائي للمتقدّم إليها، تستطيع أن تقدم «خدمة تعريف المعلومات»، من خلال أسئلة توجّه إلى المتقدّم، عما إذا كانت لديه زوجات أو أي قضايا أخرى في المحاكم. وأوضح أن وزارة العدل لا ترغب في أن تنفرد بهذا المشروع، بل تود أن تكون هناك مشاركة بين الوزارات ذات العلاقة.

المصدر: الرياض – زبير الأنصاري- الحياة