تدين أم نفاق؟

آراء

خاص لـ هات بوست: 

ما كاد الطباخ الشاب المشهور المحبوب أن ينشرصورته مع زوجته، حتى انهالت التعليقات تحمل الشتائم والتوبيخ، يعده أصحابها بعدم متابعته من الآن فصاعداً، عقاباً له على كون زوجته “سافرة”، أو “سبور”، فقد خاب ظن الجماهير به، ولم يتوقعوا منه قلة الأخلاق تلك، وكال له بعضهم أقذع الوصف.

وإذ أتاحت وسائل التواصل نوعاً جديداً من الإعلام، سهل الوصول إلى المتلقي، أتاحت أيضاً للناس التعليق، وإبداء رأيها بكل شاردة وواردة، وعلى ما يحمله هذا من إيجابيات، كشف في الآن ذاته مؤشرات عدة في مجتمعاتنا، تحتاج لدراسة خبراء يرصدون كم العدائية والعنف تجاه الآخر، مهما كان قريباً أو بعيداً، مماثلاً أو مختلفاً.

وما يبدو غريباً هو مستوى الشتائم التي توجه من باب الدفاع عن الإسلام، إذ يمكنك على مضض قبول ذلك كلغة شارع موجودة في كل زمان ومكان، أما من “متدين”، فالأمر غير منطقي، إلا إذا فهمت الموضوع كمنظومة متكاملة قائمة على النفاق، ابتداءً باعتبار حجاب المرأة هو أهم رمز من رموز “مجتمع الفضيلة”، وطالما ان النساء محجبات فالأمور بخير، ويمكن لهذا المجتمع التغاضي حينها عن مقتل طفلة على يد زوجها، ويمكن له أن يتناسى كل ما يجري من عنف ضد النساء، الخيانة الزوجية وسفاح المحارم والاغتصاب، وقضايا التحرش في الجامعات والعمل، وحرمان الأمهات من أطفالهن، وأكل أموال إرث الإناث، بل أبسط من ذلك يمكنه أن يميل بوجهه عن كل الجوع والعوز، وينأى بنفسه عن قضايا الفساد والسرقة، متذرعاً بآلاف الحجج، ومستشهداً بالأحاديث والأقوال المأثورة وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، فالمجتمع محافظ وكل ما يجري فيه هو حالات فردية ليس إلا، فيما يمكنك بسهولة ملاحظة أن هذا المجتمع محافظ على أمر في غاية الأهمية هو النفاق ليس إلا، نفاقاً يغطي به وجهه الحقيقي، فيغدو التدين ستاراً تحتجب به كل الموبقات.

والمفارقة أن الإسلام تحديداً براء من كل ما يقترفه بعض “المسلمين”، إن لم نقل معظمهم، فهذا الدين العظيم قوامه الأخلاق، ومحرماته كل ما يتنافر مع القيم الإنسانية، والحساب في الآخرة وفق التقوى، وفي العمل الصالح التقوى مطلوبة على أشدها، وكل الوصايا تقوم على عدم الإساءة للآخرين، من الوالدين إلى كل فئات المجتمع، وحين أوصى بالجار والصاحب لم يحدد دينهم ولا ملتهم، وأمر برد التحية بأحسن منها، والرسول محمد (ص) تميز بأنه {لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم 4)، ولم يحاسب أحد على تركه صياماً أو صلاة، إنما على الخروج عن حدود الله، فكل إنسان يحدد علاقته بالله بنفسه، وفق قاعدة أساسية {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99)، أما المجتمعات فيفترض تجلي الدين في أخلاق أفرادها، ومدى إنسانيتهم، وابتعادهم عن كل أشكال التنمر والعنصرية.

ولنخرج من عنق الزجاجة علينا تشخيص أمراضنا أولاً، ثم العمل على حلها، ووفق خبراء علم الاجتماع يبدو أننا نجمع صفات المجتمعات المتخلفة، مقهورة الأفراد، ساهم الفقه الموروث في قهرها، من خلال موانع لا نهاية لها، حولت الأعراف إلى دين، والتبس فيها العيب بالحرام، لتشكل سلسلة من الممنوعات تكبل كل ما يحفز الخروج عن المألوف، وتكبته لينعكس تسلطاً على الأضعف فالأضعف، لينتج من ثم مزيجاً من العدوانية والانحدار الأخلاقي، مبتعداً عن الدين لكنه متخفٍ وراءه بنفاق يداري سوآته.

فإذا كنا نعرف أحد الأسباب إن لم يكن أهمها، ألا يمكننا العمل على العلاج؟ على الأقل بإعادة الاعتبار للأخلاق بصفتها عماد الدين، وإعادة تكوين العقل الجمعي ليعطي الأنثى حقها باعتبارها كائن مستقل كالذكر تماماً، مكانتها عند الله مرهونة بالتقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير} (الحجرات 13)، وإعادة النظر في أعرافنا وتطويرها، فالأعراف نتاج إنساني غير مقدس، عليه التغير وفق الزمان والمكان، والأعراف كانت تقتضي ارتداء الطربوش وتحريم خلعه، وكانت تحرم شرب القهوة والشاي، وما نستغربه اليوم سيجده أبناءنا عادياً في المستقبل، طالما لا يتعارض مع الأخلاق والقيم الإنسانية.

ولنترك باب الأمل مفتوحاً، عسى أن يأتي اليوم الذي تنشغل فيه الأمة بإيجاد الحلول لمشاكلها السياسية والاقتصادية والبيئية، والبحث في الطب والعلوم، أكثر من انشغالها بشعر زوجة الطباخ أو بالثورة على فيلم يكشف بعضاً من عوراتها.