تصحيح الأفكار

آراء

حضرت خلال هذا الأسبوع أمسية ثقافية أقيمت في مكتبة محمد بن راشد في دبي التي تعد واحدة من أهم المنارات الثقافية العربية التي تبث فكراً وتنشر أدباً وعلماً وثقافة وتزود زوارها ومرتاديها بمختلف العلوم والمعارف كل ذلك بهدف خدمة الإنسان وتغذية عقله حتى يحصن نفسه بالمعارف ويزود عقله بالفكر والعلوم، نظمت الأمسية الثقافية لمناقشة كتاب يبدو أنه سيلقى رواجاً كبيراً وهو فعلاً يستحقه من ناحية موضوعه، حيث يتناول شخصية عظيمة ومؤثرة على المستوى الدولي؛ شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.

عندما تجتمع شخصيات فكرية وأكاديمية وثقافية بالإضافة إلى الإعلاميين في الدولة في مكان هدفه الأول خدمة الثقافة والحوار الحضاري ويكون موضوع النقاش كتاب يتناول شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومؤلفه لازم سموه لمدة ثلاثة عقود، فلا بد أن يكون الحديث عن دور سموه الشجاع والجريء في إعلانه الحرب علانية على التطرف والإرهاب بكل الوسائل ومنها الوسائل والأدوات الفكرية!

إلى الآن كل شيء طبيعي (في الأمسية)، ولكن الإثارة كانت في إحدى المداخلات القيمة التي تطرقت إلى أهمية إنشاء مؤسسات فكرية انطلاقاً من منطق بسيط أن الفكر المتطرف والمنحرف قد يتراجع أحياناً أو قد يختفي نتيجة لحجم الضربات الأمنية على التنظيمات والجماعات والأفراد المتبنين والحاملين لهذه الأفكار المنحرفة، ولكن سيعود بطريقة أخرى وبشكل آخر، وقد يظهر بثوب ومظهر جديد.

وخلال الأمسية تم ذكر على سبيل المثال تنظيم القاعدة الإرهابي كنسخة أصيلة وتنظيم داعش النسخة الجديدة المستحدثة لـ «القاعدة» ولكنها بفكر أشد خطراً وأكثر تدميراً وأسرع تفاعلاً مع الوسائل الحديثة لنشر فكرها وتجنيد عناصرها من الشباب المغرر بهم، وبالعودة إلى فكرة المؤسسات نذكر أن هناك فعلاً مؤسسات قائمة في دول عربية وأجنبية عدة.

وقد كان لدولة الإمارات المبادرة والسبق في إنشائها، ونذكر من هذه المؤسسات: «صواب»، و«هدايا ومناصحة»، وطبعاً جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية واحدة منها؛ وهي صرح علمي أكاديمي متخصص.

كل هذه المؤسسات هدفها إنساني وهو حماية الإنسان وتحقيق العيش الكريم والمستقر له وفق قاعدة أننا مختلفون ولكن نستطيع أن نعيش مع بعض بتفاهم وانسجام وتعاون وقبول، عملية نقل وتعزيز هذه القاعدة الإنسانية هي دور المؤسسات الفكرية التي تستطيع استنطاق الذين تم غوايتهم والتغرير بهم من أفراد في المجتمع، وهم في مرحلة معينة يحتاجون إلى «المناصحة» التي تخاطب الجانب النفسي والعقل والفكر وربما هو الجانب الأصعب في كل وسائل محاربة التطرف، وفي حالة النجاح فيها ستكون هي السلاح الأفضل في القضاء على التطرف والكراهية.

التطرف الفكري والذي ينتج عنه الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، والذي أصبح يعاني منه العالم اليوم بأكمله بطريقة لم تعد تقتصر على دين أو هوية أو طائفة أو منطقة جغرافية محددة، وهنا أقصد التطرف الفكري الديني والأيديولوجي والإثني، وفي أحيان يصل خطر التطرف إلى الانتماءات الرياضية، أي إن التطرف مذموم أينما وجد وخطير على المجتمع وأفراده مهما كان نوعه.

انتصار دولة الإمارات محسوم في حربها ضد الإرهاب والتطرف وجهودها مؤثرة في محاربته، وهذا يؤكده حالة الصراخ والألم من قبل المتطرفين كلما ذكرت دولة الإمارات أو قيادتها .

وهذه النتيجة تشمل كل مناطق العالم، فالإمارات صاحبة رسالة إنسانية كبيرة، والكل يدركها، ولهذه الرسالة شواهد وبراهين، منها وثيقة الأخوة الإنسانية وبرامج التسامح، ولكن تبقى برامج «المناصحة» لتصحيح المسار فرصة لمن يرى أنه أخطأ في حق وطنه أو حق الإنسانية.

المصدر: البيان