ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

جدران الخوف

آراء

قليلة تلك الجدران التي تكون صديقة للإنسان، ولا يستشعر منها الرهبة والتحفز، وأقلها عدم الارتياح، حتى جدران غرفنا أحياناً نتوجس منها، وتجعلنا نضيق بها، وبأسقفها الواطئة، وشبابيكها شبه المغلقة دوماً.

ــ جدران المدرسة، كنا نضيق منها صغاراً، ونتمرد على سورها ذلك الجدار المانع، ونحاول تخطيه في غفلة من الجميع، هروباً باتجاه فضاء مفتوح، لا ندري عنه.

ــ جدران المنزل، حين تمنعنا تلك الجدران من الخروج واللعب ولقاء الأصدقاء واكتشاف العوالم التي خارج أسواره.

ــ جدران مباني العمل، تشعرنا منذ أن ندخلها وقبل أن ندخلها أحياناً بضيق فردي، ضيق بمن فيها، ضيق بوتيرة العمل، خاصة ذاك الذي نحن مجبرون عليه، لأنه مصدر الرزق الوحيد، ربما ضيق من ذلك المدير الذي يريد أن يفرض سيطرته في مكان وهمي وليس دائماً له، فارضاً جواً من الخشية، وعدم الارتياح، وانعدام روح الصداقة والزمالة، وسعي النميمة والغيبة والحسد، سعي أفعى خرافية تربت وكبرت في ذلك المكان، واستأنست بجدرانه.

ــ جدران البنوك، لا توحي للكثيرين بمزيد من الثقة، والطمأنينة، تشعر ببرودتها المفتعلة، ورائحة المراباة الملتصقة بها، وأنها لن تكون لك سنداً في المعضلات، وأنها كثيرة الغمط لحقك، تشعر براحة ذلك اليوم الذي لا تجبر فيه على الدخول، ورؤية جدران البنوك الصامتة عمداً، وكأنها صُبّت أمام وجهك.

ــ جدران المطارات فيها شيء من الخوف والتوتر، ربما مرجعه لذلك المجهول الذي تتوجس منه، وتعتقد أنه ينتظرك، وأنت لا تدري عنه، مثل، سفر بتذكرة غير مرجعة، الصعود للفضاء البعيد، وعدم ملامسة الأرجل للأرض، الأمر الذي يخلق اختلالاً في داخل الإنسان، ثمة مصائب غير متوقعة في بلدان غير متقدمة، وبائس نظامها، وفاسدة إدارتها، ربما تلقى كحجر عثرة في طريقك، يظل الكثير لا يشعر بالراحة والسكينة إلا حين يخرج من مباني المطارات وجدرانها الزجاجية، وما يختفي من أشباح وراء ذلك الزجاج القاتم، وكاتم الصوت.

ــ جدران السجن، كثيرون يحلمون بها، وإن لم يجربوها، لكن خشيتها ملزمة، ويمكن أن تجربها في أي لحظة، ظالماً أو مظلوماً، لذا تشكل عبئاً على أضلاع القفص الصدري، وما يعتمل فيه بصورة دائمة، جدران إن دخلتها ظالماً فلن تتوب، وإن دخلتها مظلوماً فلن تعود لحياتك الطبيعةُ كيفما كانت، جدران فيها رائحة الموت، وصرخات أبرياء، وأنين ووجع الضائعين، جدران تنز بدم متخثر للغادرين والمغدورين في ظل حراسة دائمة تكره الاثنين.

ــ جدران القبور، حيث تكمن الأسئلة الأخيرة، وغياب الزمن، والانتظار السرمدي، وبدء رحلة مختلفة في تلك الظلمة المُزْرَقّة، والدخول في المشيمة الثانية، والفناء والتوحد بتلك التربة التي خلقت منها أيها الإنسان، وإليها تعود.

المصدر: الاتحاد