سلطان .. للوطن والإنسان

أخبار

تحلّ الذكرى الخمسون لتولّي صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة مقاليد الحكم في الإمارة، وهي تحمل سيرة رجل ومدينة ودولة.

الذكرى العطرة الغالية تحمل أيضاً، سيرورة حكم وحاكم، وتحمل ذاكرة مكان وذاكرة رجل ساد المكان، ودبّر إدارته بحنكة وأخلاق وقيادة نبيهة حكيمة، ووقف على كل صغيرة وكبيرة في إمارة حملت منذ تعيينها في التاريخ والجغرافيا اسماً نابغاً يحيل كل من يسمعه، ويقرأه إلى الإشراق، والنور وإصباحات المعرفة والوعي، وعبقرية الإنسان الخالدة في وطنه، وفي سيادة وطنه.

ذكرى الخمسين لتولّي سموّه مقاليد الحكم، هي عمر جيل، وعمر إمارة، وعمر مكان وزمان حماه سلطان بن محمد القاسمي، وحرس شخصيته، وعزّز هيبته، ورفع تاج معناه، وكرّم الإنسان فيه، وجعل له أحسن تكوين في سكناه وأمنه وأمانه وتعليمه وعمله ومستقبله.

سلطان بن محمد القاسمي.. ليس اسم علم حكم وحكمة وقيادة فقط، بل هو علم إدارة أيضاً، وعلم ثقافة، وعلم تنمية وبناء وإنجازات تؤلف معاً تاريخاً له شهود عدول، فكانت أول تعيينات التاريخ وإشاراته الرّاهنة – تلك التي ائتمن عليها صاحب السموّ حاكم الشارقة، قطاع العلم والمعرفة والتعليم.

العلم، حجر الأساس في كل حضارة محترمة في العالم، وقد جعل سموّه نفسه مؤتمناً على هذا القطاع لأنه هو نفسه شاهد آخر على تاريخ القلم والكلمة والكتاب في الشارقة، منذ ما قبل مرحلة التعليم النظامي فيها وإلى اليوم، حيث قامت شبكة من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية المعتمدة من أكثر جهات التعليم الجامعي عراقة في العالم.

التعليم الجامعي في الشارقة لم يكن حلماً تحقق على يدي تدبير سلطان المعرفي، فقط، بل هو في رؤية سموّه بناء للإنسان، واستثمار فيه، واحترام لكينونته البشرية، وفي كل عام يقف سموّه على تخريج أفواج الطلبة الجامعيين في الشارقة يؤكد جوهر العلم والتعليم، ويمتلئ قلبه بالفرح وهو بين أبنائه وبناته من الطلبة الذين استحقوا وسام المعرفة، لتأتي كلماته جواهر تنوير لجيل ليس له خيار وجودي آخر غير العلم، فتشكل كلماته خريطة طريق آمنة ميسرة لكل طلبة الجامعات.

سلطان بن محمد القاسمي ضمير أبوي أيضاً، مثلما هو ضمير معرفي تعليمي توجيهي. أهل الشارقة أهله وأرحامه، ولنقرأ هنا هذه الكلمات الدّافئة التي جاءت في سياق مداخلة هاتفية لسموّّه عبر برنامج «الخط المباشر» في 9 مارس 2017.. قال سموّه: «أهل الشارقة جميعهم أرحامي، ودخلت معظم بيوت الشارقة، وأعلم أهلها جيداً بالأسماء».

الشارقة دائماً وأبداً في عيني سلطان. الشارقة مدينةً ومكاناً، والشارقة إنساناً. من المنح السكنية، إلى زيادات رواتب العاملين والمتقاعدين، إلى البنى التحتية الخدمية والمنشآتية، إلى إسقاط ديون المعسرين والمحتاجين والمستورين، إلى مبادرات العلاج وتأمين السكن وتأمين التعليم. وشاهد العيان يسمع ويرى ويقرأ، فهذه تلبيات ومكرمات ومبادرات سموّه مباشرة على هواء التلفزيون أو أثير الإذاعة. لا وقوف صعباً ومحرجاً على باب الحاكم. هنا الحاكم يسمع ويرى ويقرأ قبل الشاهد. يسمع ويرى ويقرأ وَيُلبّي، ويعطي، وَيُكْرم.

الشارقة في خمسة عقود، وفي أمانة رجل يصحو مع صوت الأذان في فجر إمارة الإشراق والأنوار، نالت الأوسمة الثلاثة المستحقة لها والمستحقة لأهلها، صاحب السموّ الثقافي الذي قاد إمارته وإمارة أهله إلى نياشين العزّ: عاصمة الثقافة العربية، عاصمة الثقافة الإسلامية، عاصمة الكتاب العالمية، والشارقة عاصمة المسرح على يدي صانع المسرح في الإمارات. شيخ الكتابة، ورجل البحث والتوثيق والتاريخ والتحقيق.

في خمسة أقواس قزح من الورد والغار وسبائك النخل، وحرير الرمل والماء ولد بيت الحكمة في الشارقة. ولد معجم تاريخ اللغة العربية. أصبح معرض الكتاب علامة ثقافية، إعلامية في العالم كلّه. المعرض الأكبر، الاستقطابي، التعددّي، المعرفي الذي أصبح جواز سفر للعالم وللحرية وللإبداع.

خمسة عقود في الشارقة، وللشارقة، وهي في يد سلطان بن محمد القاسمي. اليد الرحيمة، واليد المرفوعة بأمان ومحبة للطفل، وتعزيز ثقافته، وصون المرأة وشخصيتها وقيمتها الإنسانية التي توازت مع القيمة الإنسانية لأخيها الرجل.

يوم 25 يناير 1972 قال سموّه عند اختياره حاكماً لإمارة الشارقة: «..أعينوني لكي أكون ابناً بارّاً لكبيركم، وأخاً وفياً لأوسطكم، وأباً حنوناً لأصغركم».

هي ثوابتك يا والدنا.. هي كلمتك الواحدة التي لم تصبح كلمتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً؛ بل هي دستور ومرجع وقلم وحبر سلطان منذ 1972 إلى اليوم، وإلى غد.. الابن البار، والأخ الوفيّ، والأب الحنون.

المصدر: الخليج