سمات نسيناها

آراء

خاص لـ هات بوست: 

لا يدرك معظمنا كمسلمين مؤمنين برسالة محمد (ص) الميزات التي اتسمت بها هذه الرسالة، ولا نفيها حقها من الأهمية، ونمر على خصائصها مرور الكرام، فيما نركز جل اهتمامنا على الحرام والحلال، وعلى فرز الناس بين كافر ومؤمن، سيدخل الجنة أو لن يراها، وناسين أننا نحمل رسالة رحمة عالمية خاتمة.

أما الرحمة فقد جاءت الرسالة المحمدية بتخفيف في العقوبات عما سبقها، وبدل الحدية في التشريعات، أعطت مجالاً واسعاً يبتدىء بالعفو، وهو في حالات الحق الشخصي أقرب للتقوى، انتهاء بالإعدام لحالة خاصة وحيدة وهي القتل العمد، وهذا يتماشى مع ما توصلت إليه الإنسانية في أرقى تشريعاتها، حيث تنوس القوانين بين من ألغى الإعدام أو ما زال يعتمده.

والحرام محدد، وإذ طلب منا الله تعالى الالتزام بالقيم الأخلاقية العليا، واعتبرها المقياس الأساسي للحساب، فلا تساهل بها {اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ولا حلول وسط، ولا يمكن الغش قليلاً أو شهادة الزور في أوقات معينة أو الإساءة للوالدين أحياناً، أي كل ما يخص حقوق الآخرين والمجتمع، في الجهة الأخرى تهاون معنا في علاقتنا به {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} ووعدنا بالأجر والثواب على أداء الشعائر التي نتقرب إليه من خلالها، ثم بعد ذلك {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} طالما صحبتها توبة صادقة، فتأنيب الضمير كاف على ما يبدو بالنسبة للخالق العظيم العالم بنفس عباده.

وفيما اعتدنا التعامل مع ديننا على أنه خاص بنا سكان الشرق الأوسط، لم نستطع تطبيقه على سكان العالم أينما وجدوا، فالدين الذي بين أيدينا استلهمت أحكامه من أعراف الجزيرة العربية في القرن السابع، أي في ظروف زمانية ومكانية محدودة، بينما نقرأ في كتاب الله {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} وبالتالي فتطبيق الإسلام يجب أن يكون مناسباً لكل الناس، ومن يقرأ المصحف بتدبر وتفكر يجد أنه يستوعب الجميع، حيث العمل الصالح هو المؤشر، والعلاقة مع الله شأن خاص بيننا كأفراد وبينه عز وجل، يحاسبنا عليها يوم القيامة، ومهمتنا في الأرض تحقيق حياة فضلى لنا ولغيرنا بحيث نضمن استمرارية خلافة الإنسان، بما يحمله من مؤهلات معرفية وأخلاقية، إلى أن تقوم الساعة، أما الوصايا الخاصة بنا فلا تتعدى الامتناع عن طعام معين، يمكننا بسهولة الاستغناء عنه في ظل توافر الكثير من الخيارات الأخرى.

رب قائل: وماذا عن وضع المرأة؟ على عكس تصورنا فالرسالة المحمدية ومنذ مئات السنين جاءت بما تطالب به النساء اليوم في معظم دول العالم، فالمرأة مساوية للرجل في الخلق، ومساوية له في الأجر، وفي التفاصيل هناك تدرج في الحقوق وفق الأرضية المعرفية لكل عصر، ساهمت وتساهم في مسايرة تقدم الإنسانية، لا سيما أن الخاتمية التي اتسمت بها الرسالة لا تقتصر في معناها على كون الرسول محمد (ص) هو خاتم الأنبياء والرسل، أي لن يأتي رسول بعده، بل تعني وصول الإنسانية إلى مرحلة من الوعي تمكنها من المضي قدماً دون توجيه مباشر من الخالق {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} فالإسلام الذي تراكم تدريجياً منذ بدء الرسالات مع نوح، واكتمل مع محمد ارتضاه الله ليكون دين الإنسانية، لا كما يروج له على أنه محدد بالأركان الخمسة، بل بأنه شامل لكل من ورد ذكره في قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة 62)، والله تعالى أعطانا الخطوط العريضة لنلتزم بها وتركنا لنشرع قوانين وفق اختلاف ظروفنا ومجتمعاتنا، مؤكداً لنا مشيئته في اختلافنا، وثقته بأننا في تدافعنا لن نفسد ونسفك الدماء، بموجب نفخة الروح التي ميزتنا عن باقي مخلوقاته، وجعلتنا جميعاً أبناءه أخوة في الإنسانية.

قد يرى البعض بأن الدعوة للانفتاح على الإنسانية تفقدنا خصائصنا كمسلمين، لكن على النقيض تماماً أهم ما يميز ديننا كونه دين الإنسانية، سواء علم الناس جميعاً أم لم يعلموا، وإذ يبدو حلماً جميلاً وفق هذا التصور، إنما لا بد له من التحقق يوماً ما ولو طال الزمن.