خلف أحمد الحبتور
خلف أحمد الحبتور
رجل أعمال إماراتي

على قادة العالم أن يُعلّقوا رؤوسهم خجلاً

آراء

يا له من عرض مؤثّر يقوده حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدينة نيوبورت الويلزية! يمتلئ «عشب المنزل الأخضر» الذي غنّى له توم جونز، بالدبابات والصواريخ، فيما تستضيف مدينة كارديف سفناً حربية جبّارة.

يفترض أن أعداء الغرب يرتجفون خوفاً، لكنهم ليسوا كذلك، فهم يسخرون بالتأكيد من الخطاب الفارغ الذي يصدر عن قائد العالم الحر وحلفائه الأوروبيين.. مجرد كلمات عقيمة أُلقيت بحضور ممثّلين، كأنهم حضروا جميعهم إلى هناك لكتابة نص فيلم كوميدي ساخر عن الحياة من بطولة عادل إمام! فالوضع الذي نعيشه مهزلة يمكن أن يستوحي منها هذا الممثل المصري الأسطوري، نصّ سيناريو لأحد أفلامه. يشهد عالمنا أزمات غير مسبوقة اقترفتها يد الإنسان.

يسأل الناس في كل مكان، وأنا منهم: ماذا يحلّ بعالمنا؟ ننظر إلى هؤلاء القادة ونقول في أنفسنا؛ إذا كان هؤلاء الأشخاص مسؤولين عن حمايتنا، فليكن الله في عوننا. قد يكون الأمر أغرب من أن يُصدَّق، لكن إليكم الحبكة.. هيا عادل إمام، لا تنسَ أن تسجّل!

قرّرت عصابة من الفاشلين الذين يسعون خلف السلطة والثروة والسيطرة على الأراضي، أن تخدع ضعفاء العقول من المسلمين الشباب عبر وعدهم بإقامة دولة إسلامية، على أرض يوتوبية تمتدّ من سوريا إلى العراق، على أن تضم في نهاية المطاف لبنان والأردن والكويت والسعودية.. في هذه «الخلافة السحرية»، يُمنَع على النساء اللواتي لا يمكن التعرف عليهن إلا من خلال عيونهن، مغادرة منازلهن إلا برفقة رجل من أقربائهن.

تُحطَّم أجهزة التلفزيون، ويُمنَع على المدارس تدريس الموسيقى والفن والفلسفة. يُجلَد المدخّنون على مرأى من الجميع، وتُدهَن معالم أثرية بالأسود، لون أعلام تنظيم «داعش». يقول الأئمة المزيّفون لأتباعهم: «سنأخذكم إلى الجنّة، حتى لو اضطررنا إلى جرّكم بالسلاسل في الطريق إلى هناك».

لا يستقطب هذا الجحيم على الأرض المقاتلين المثقّفين من الشواطئ البعيدة وحسب، إنما أيضاً الشابّات الغربيات المتلهّفات للزواج وإنجاب جيل جديد من المرضى النفسيين.

لقد نجح نحو 10000 إلى 15000 مقاتل مقنّع باللباس الأسود، في الاستيلاء في البداية على أراضٍ شاسعة في سوريا والعراق تفوق مساحة المملكة المتحدة، من دون أن يلقوا أي مقاومة تقريباً. تفرّ الجيوش من أمام أولئك السفّاحين كما الأرانب؛ أما الجنود الذين يتم أسرهم وتجريدهم من ثيابهم فيُعدَمون بلا رحمة.

يهرب عشرات آلاف المدنيين إلى جبال قاحلة حيث يموت كثرٌ عطشاً، ويُضطر الوالدان المنهكان من الجوع والجفاف إلى ترك الأجداد والأولاد الصغار في الصحراء خلال الهروب.

في غضون ذلك، يرسّخ المتطرّفون دعائم دولتهم بواسطة كميات كبيرة من الأسلحة المصنوعة في أميركا، ومبالغ طائلة يجمعونها من الإيرادات النفطية، والأموال التي ينهبونها من المصارف، والفديات التي يطلبونها للإفراج عن المخطوفين، وبيع النساء والفتيات في سوق الرق المحلية.

لا يستطيع أحد أن يعيب عليهم أنهم غير منظّمين، فهم يديرون منظمات أهلية، ويشرفون على مؤسسات عامة، ويُقرّون القوانين، ويستخدمون خبراء لتقديم المشورة إليهم في مجالات متعدّدة، ويتاجرون بموارد العراق الطبيعية.

لا، سيد عادل إمام، هذا ليس فيلماً من القرن العاشر؛ إنها أحداث تدور في عالم اليوم. هل تفكّر في نفسك بأنها تفتقر إلى المصداقية؟ نعم، أعلم أن الجماهير المصرية ليست مغفّلة إلى هذه الدرجة لتصدّق مثل هذا السيناريو الغريب وغير الواقعي، لكن… فيما كنت أشاهد الرجال الأكثر نفوذاً في العالم يناقشون كيف يجب التعاطي مع ما يُعرَف بـ«داعش» خلال قمة الناتو، شعرت بدنوّ الأجل.

يجب أن يكون الأمر محسوماً ولا حاجة إلى مناقشته! لا شك في أن القضاء على حفنة من المجرمين القتلة قبل تفشّي العدوى، ليس بالتحدّي الصعب بالنسبة إلى قوة عظمى.

لم تتردّد الولايات المتحدة وحلفاؤها في شنّ حرب للقضاء على أسلحة الدمار الشامل التي لم يكن لها وجود في عراق صدام حسين، أو في اجتياح أفغانستان للتخلّص من ساكن الكهوف.

في الحقيقة، عليهم أن يتحمّلوا مسؤولية صعود هذه العصابة؛ لقد استمدّ تنظيم «داعش في العراق والشام»، القوة والشعبية من تقاعس أوباما في سوريا وإحجامه عن التحرّك لوضع حد للمذبحة التي يشنّها النظام في حق شعبه.

والنجاح الذي يحقّقه هذا التنظيم في الظاهر، وتساهم آلة الدعاية المحكمة في تضخيمه، يبثّ مخالبه في السجون والأزقّة الخلفية والأنفاق، ما يولّد شبكة معقّدة من المخاطر.

لكن الرئيس أوباما ومعاونه ديفيد كاميرون، أسقطا من حساباتهما إمكانية إرسال قوات برية لمحاربة التنظيم. حتى تعهّداتهما بتسليح قوات البشمركة الكردية التي تقاتل من أجل حماية إربيل والأقليات المحاصرة، لم تتبلور بعد على أرض الواقع.

إلقاء القذائف على القوافل التابعة لتنظيم «داعش» لن يؤدّي إلى القضاء عليه، لأن أولئك المتطرفين سيتوغّلون في أوساط السكان المحليين أو يعودون إلى شمال سوريا لتنظيم صفوفهم من جديد. وقد أقرّ أوباما في كلام مثير للجدل، بأنه ليست لديه أية استراتيجية لمهاجمة «داعش» في معاقلها الرئيسة في سوريا.

وماذا عسانا نقول عن موقف ديفيد كاميرون؟ يا له من أمر مطمئن أن نعلم أن الحكومة البريطانية تجمع أدلّة ضد مقاتلي «داعش»، لإدانتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية! أنا واثق من أن أولئك الصراصير الذين يفضّلون الموت على الحياة، لا يغمض لهم جفن لأنهم يرتجفون خوفاً من أن ينتهي بهم الأمر خلف القضبان في لاهاي! يجب مكافحتهم بمبيدات الحشرات، وليس بمثولهم أمام هيئة من القضاة.

إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا والناتو ترتعد خوفاً وجُبناً بما يجعلها عاجزة عن مواجهة هذا البلاء، عليها إذاً أن تستخدم مرتزقة وتضعهم تحت إمرة قادة عسكريين ـ استخباراتيين سابقين، كي يقوموا بالمهمّة نيابة عنهم، ويمكنهم الاستعانة في هذا المجال بالشركات الأمنية، مثل شركة «بلاكووتر» سيئة الذكر التي زرعت الرعب في نفوس العراقيين عام 2003.

من شأن مجموعة مافيوية من صقلية أن تكون أكثر فعالية من أوباما وزمرته. ربما يمكن إقناع تنظيم «الدرب المضيء» في البيرو أو «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» (فارك) بتنفيذ تلك المهمة.

لكن ثمة سؤالاً يقضّ مضجعي على وجه الخصوص؛ أين هم العرب مما يدور الآن؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل هذا الجنون تدور رحاه عند عتبة بابنا، ويُهدّدنا بطريقة مباشرة وفورية! واختباء تنظيم داعش خلف راية الإسلام ليس سوى اعتداء رجس على ديننا الحنيف، الذي يعمل على ترسيخ قيم التعايش والتسامح بسلام داخل المجتمع.

وداعاً للكيان العربي؛ لقد بات العالم العربي مفكّكاً وفي حالة ضياع تام! يملك مجلس التعاون الخليجي القوة النارية والخبرة الكافيتَين للتدخّل عسكرياً بمفرده. لا تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى الحصول على إذن من واشنطن لحماية نفسها أو إخوتنا في العراق وسوريا.

ألا نشعر بالإحراج لأن الأكراد يحاربون بالنيابة عنا؟ إذا لم نقف في وجه هذا التهديد وسواه من التهديدات، مثل الخطر الذي يشكّله الحوثيون المصمّمون على تدمير اليمن، لن تحلّ علينا لعنة التاريخ وحسب، بل إن الأجيال المقبلة لن ترحمنا أيضاً. لا أبطال في هذا السيناريو الذي يدور أمام أعيننا؛ بل فقط مارقون وجبناء وحمقى يسيرون بنا نحو الهاوية.

أما في ما يتعلق بأوباما وكاميرون، فليسا سوى مجرد ممثّلَين يتبختران بأدوار صغيرة في حبكةٍ تُسبّب لهما التوتّر الشديد. يبدو الرئيس الأميركي وكأنه مصاب برهبة المسرح، ويسعى يائساً للحصول على إشارات من رئيس الوزراء البريطاني.

لا يتمتّع أيٌّ منهما بحضورٍ جدير بقائد قادر على إنقاذ العالم، من طينة أبراهام لينكولن أو ونستون تشرشل أو دوايت أيزنهاور، ناهيك عن الشخصيات العربية العظيمة، مثل عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، الذين كانوا يقرنون القول بالفعل، ولم يكن هناك أي غبار على شجاعتهم.

في هذا الفيلم الرديء، تنتصر زمرة من الأشرار المتعطّشين للدماء.. أدعو فقط كي تُكتَب نهاية مختلفة لهذه الحبكة، قبل أن تصل إلى مسارح قريبة منّا جميعاً.

المصدر: البيان

http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-09-09-1.2197883