في الشكل والمضمون

آراء

خاص لـ هات بوست: 

مضى رمضان ومضى العيد، أعادهما الله باليمن والبركة على العالمين.

كان من الملفت هذا العام الأعداد الهائلة لمقيمي الصلاة في العواصم العربية، والأجنبية أحياناً، صلوات التروايح وصلاة العيد، سيما بعد تراجع القيود التي فرضها الوباء في السنتين الماضيتين.

تقبل الله طاعتنا وطاعتكم، وحسن الظن به جل جلاله يفترض أنه لا بد سيتقبل من عبد امتنع عن الطعام والشراب وترفع عن الشهوات وأتاه راجياً المغفرة.

إلا أن رجاء القبول يعني أن هناك احتمال ألا يتقبل منا عز وجل، الرحيم الرؤوف بعباده، ربما لعلمه ما في أنفسنا{وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}، إذ ما نظهره قد يكون مختلفاً تماماً عما نضمره.

ويبدو الأمر منطقياً حين نقرأ ونسمع ونرى كل يوم ما يحدث في مجتمعاتنا من سلوكيات لا تتفق مع كل ذاك التقى الذي يظهر في أداء الشعائر، رغم أنه لا يمكننا التعميم أن الأشخاص هم ذاتهم، إلا أن صور السيارات المتجمعة أمام أبواب المساجد، والمصلين الذين لم يتسع لهم المسجد فصلوا في الشارع، تعطي انطباعاً أن المجتمع عنوانه الفضيلة وألا بد لهذه الصلوات أن تنهى عن الفحشاء والمنكر بحد أدنى، بحيث تصبح الموبقات استثناء، وكل ما نراه في الأعمال التلفزيونية هو خيال في ذهن الكاتب لا انعكاس للواقع.

رب سؤال يطرح نفسه هنا: ما هذا الفصام؟، لا أعرف إن كان استخدام هذه المفردة بمعناها العلمي دقيق، لكن المقصود مم ينتج هذا التناقض؟ يبدو أن الفهم الخاطىء لأركان الإسلام قد أودى بنا لما نحن فيه، فعلى أهمية الشعائر ومكانتها في الثواب عند الله وفي تقييمه للتقوى، إلا أن العمل الصالح هو أساس في تعريف الإسلام كما ورد في التنزيل الحكيم، وللمهتم أن يراجع كتاب الله ليتأكد من أركان الإسلام التي يختصرها قوله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت33)، فنحن حفظنا عن ظهر قلب أن الصلاة عماد الدين من تركها خرج عن الإسلام، وطالما أخافنا قوله تعالى {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} لأننا لم نكمل: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، فاعتبرنا أن الويل هو لمن نسي إقامة إحدى الصلوات أو سها فيها فلم يخشع كما يجدر به، ولم نتوقف عند الرياء، على ما توضحه دقة الكتاب، فلا مفردة إلا بمكانها، إذ يعلم الله أن الكثير من عباده ستصبح صلاتهم رياء لا تردعهم عن الخبائث، وما منع الماعون إلا مثال عن كل الخيرات التي أمرنا تعالى استباقها ومنعناها.

قد لا تتميز مجتمعاتنا عن غيرها بانحدار القيم الأخلاقية، لكن سمتها “الإسلامية” تتطلب التزامات معينة، وكوننا كُرمنا من قبل الله تعالى بأن بعث الرسالة المحمدية بلغتنا، علينا أن نستحق هذا التكريم، وكم كان جميلاً لو أن هذه المظاهر الشعائرية ترافقت مع ما تهدف إليه من قيم عليا، استطعنا رؤية انعكاسها، فنحن رأينا الطهارة لكننا لم نر النظافة، رأينا الخلافات بين الأخوة على ميراث أو غيره، الغيبة، النميمة، رمي المحصنات، الظن الآثم، أشكال التنمر، رأينا العنف الأسري في ازدياد، والتحرش كذلك، جرائم القتل أصبح لها فنونها، النصب، الاحتيال، الفساد، تجارة البشر والأعضاء، وغيرها من الموبقات، كلها لا تتوافق مع الإسلام بأي شكل من الأشكال، والخلل بالتأكيد لم يأت منه، ربما أتى من فهم خاطىء قدم الشكل على المضمون، ولم يعط الأهمية المطلوبة للأخلاق ككل متكامل، أو اعتبر أن “خير هذا وشر ذاك فإذا الله قد غفر”، مع أن الله تعالى في كتابه الكريم أولى القيم الأخلاقية مكانة عليا، وجعلها مشتركة لكل الناس، وطلب فيها حق التقوى، حيث لا يقبل هنا أنصاف الحلول، وليست تكاليف تؤدى وفق الاستطاعة.

من باب الغيرة على الإسلام، علينا الانتباه للمضمون ومنحه ما يستحق من الاهتمام، سواء في تربية أبنائنا أم في تعاملنا مع ما حولنا، لعلنا ننسجم مع ذاتنا كمسلمين، ونستطيع من ثم تقديم صورة متكاملة يمكنها أن تعبر عن المجتمعات الإسلامية شكلاً ومضموناً، كما أراد الله لها أن تكون، مجتمعات قوامها الأخلاق الحسنة، تعيش دنياها برقي يضمن لها حسن الآخرة، دونما نفاق، تتقي الله لا عباده.

كل عام وأنتم بخير.