فاطمة المزروعي
فاطمة المزروعي
كاتبة إماراتية ، لها عدة إصدارات في القصة والرواية والشعر والمسرح وقصص الطفل ،رواية كمائن العتمة ، دار الفارابي 2012 ، زاوية حادة 2009

كم نحن بحاجة إلى النقد؟ !!

آراء

منذ أن تمكن الإنسان من معرفة اللغة ، أو إذا صح التعبير تمكن من ممارستها انطلقت البشرية في عوالم حقيقية من الاكتشاف والاختراع والتطور، ويعتبر كثير من علماء العلوم الاجتماعية أن انطلاقة الإنسان اللغوية لا يوازيها أي حدث شهدته البشرية في الأهمية، ومن هؤلاء العلماء الدكتور جون سيريل، الذي قدم كتب هامة مثل بناء الواقع الاجتماعي من الطبيعة إلى الثقافة، وكتاب العقل واللغة والمجتمع، حيث قال في هذا الجانب:” إن مؤسسات كالنقود والحكومة والملكية الخاصة والزواج والألعاب، تتطلب وجود اللغة، بينما لا تحتاج اللغة في وجودها إلى أي من المؤسسات الأخرى” وهذه حقيقة ماثلة فباللغة تم بناء الحضارات ووضع يده على الاكتشافات والمخترعات وحفظ الإنسان أرثه وتطلعاته للمستقبل، وبواسطة اللغة انبثقت ملكات ومواهب الإنسان في شتى المجالات، فكان الشعر والذكريات والقصص والحكايا، وعلوم إنسانية كثيرة لا تعد ولا تحصى وجدت منذ تاريخ بداية اللغة وحتى يومنا، وتبعا لذلك اكتشف الإنسان الكتابة، فتمكن من حفظ لغته وطورها، وتمكن أيضا من حفظ إنتاجه الإنساني وكل ما يدور في ذهنه من أفكار وتطلعات وفي كثير من الأحيان حول هذه الأحلام والرؤى لإنتاج كتابي تطور تباعا حتى بات اليوم يطلق عليه الإنتاج الإنساني على مختلف توجهاته العلمية ومنها الإنتاج الأدبي الذي يضم الشعر والرواية والقصة والمسرح والنثر والنقد وغيرها كثير. لكن لا يمكن لنا اعتبار النقد ملازم أو جزء من العلوم الأدبية وإنتاجها وحسب، فخطورة هذا المجال – النقد – أنه مرافق لكل العلوم الإنسانية سواء كانت تطبيقية أو نظرية، بل هو ممتد ويصل إلى كل عمل إنساني سواء اكتشافات أو مخترعات.

فطبيعة النقد تتمثل في مرونته ليكون ذا خاصية من الشمول والعموم لكل منجز إنساني مهما كان وفي أي زمن حدث، – الأدب، السينما، الموسيقى، السياسة..إلخ – ذلك أنه يهتم بكل ما يكتب وما ينطق، حتى في المجسمات والعمران والهندسة – المنجز الإنساني والحضاري للبشرية – و هو ليس كما قد يعتقد البعض أن وظيفته إظهار العيوب والملاحظات بل أنه أيضا يظهر الايجابيات والمحاسن، ويأتي بصور مختلفة سواء كانت مكتوبة أو ضمن حوارات تلفزيونية أو إذاعية أو في إطار خطب جماهيرية، وغيرها من الوسائل سواء الحديثة أو القديمة. وهذه جميعها جوانب معروفة.

 يقال بأن تطور النقد ينعكس ايجابيا على المنجز والحقل الذي تعمق فيه بالدراسة والبحث، وفي ظني أن هذه حقيقة لا تقبل الجدال، فالنقد يطور لا يهدم.. وإذا أخذنا النقد في مجاله الأدبي، فستكون هناك ملاحظة تتعلق بالحركة النقدية العربية نفسها، حيث يعدها البعض ضعيفة، متناسين أن حركة  التأليف والنشر بصفة عامة ضعيفة على المستوى العربي، وهي لا تتواكب مع عدد سكان الوطن العربي الذي تجاوز تعدادهم الثلاثمائة والخمسون مليون نسمة، إن الإحصاءات في هذا المجال مؤلمة، ففي مجال الإصدارت هناك كتاب واحد يصدر لكل اثنى عشر ألف مواطن عربي، بينما هناك كتاب لكل تسعمائة ألماني، وكتاب لكل خمسمائة مواطن بريطاني،وتبعا لهذه الحالة ، فإن الحركة النقدية أيضا تعاني من قصورا بالغا، وهذه نتيجة طبيعية، لكن على الرغم من شح ما ينتج ويتم تأليفه ،فإن  النقد وقف عاجزا عن مواكبة تلك المنجزات وما يتم نشره. لا شك أن الوطن العربي برمته وعلى امتداده من الخليج حتى المحيط يعاني ندرة في النقاد، وأقصد النقاد الملهمين، مع التقدير لكل الأسماء الجميلة في هذا الحقل التي أثرت ساحتنا الأدبية، لكنها غير كافية، فنحن نحتاج المزيد من النقد، العميق، المتذوق. فالمؤلف يسعده النقد،ويشعر بصدق النقد وفائدته أكثر من سواه.

 *نشر في مجلة الإمارات الثقافية – نوفمبر – العدد 7