ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

«لا تشيلي هَمّ يا الإمارات»

آراء

تتذكرونه قبلها، وتذكرونه قبل عامين حين اجتاحت العالم وأفزعته تلك الجائحة، وتعون كلماته الصادقة تلك، قصيرة الحروف كبيرة المعنى، جملة كانت جامعة، مانعة، لازمة، تامة، واختصرت أموراً كثيرة، وغنت عن شروحات مفيدة، جملة قصيرة قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مطمئناً الناس، داقّاً على صدره الذي تحمّل عنا ومن أجلنا الكثير: «لا تشيلون هَمّ»، لعلها ستبقى هذه الجملة أبد الدهر، يتذكرها الناس في سرائهم شاكرين، وفي ضرائهم صابرين، لقد دخلت تلك الجملة كل بيت في الإمارات دون تعيين أو تمييز، ورحبت بالقادم، ورافقت المودع، وجعلت من صبر أيام وليالي سنوات الجمر والشدة عوناً على التخطي، ودافعاً لدحر المحنة، تكاتف الجميع خلف جملة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد تلك، وبذل الجميع جهده وزاد وعياً والتزاماً وانضباطاً، ومع الفرح والأمل وتجاوز الجائحة وتداعياتها، استشعر الناس قيمة تلك الجملة القصيرة، وأثرها وتأثيرها في النفوس، حينها كان دعاء الناس: دمت يا «أبو خالد».. وأدامك الله تاجاً على الرؤوس، وذخراً للإمارات والإنسانية، وليتك لا ترى إلا فرحاً، ولا تسمع إلا بِشْرَاً.

اليوم أراها تتكرر تلك الجملة، للوطن في عز فجيعته برحيل قائده، وصانع دولة التمكين، قلب الخير والكف البيضاء، المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، وسترتسم على صفحات الأيام وقادمها: «لا تشيلي هَمّ يا الإمارات» فالعهد العهد، والوعد الوعد، وبشائر الخير بصنع التفوق ورفع راية المجد، من زايد وخليفة ومحمد، فالإمارات أغلى وصية من أخ وأب وجد، الإمارات وطن لا يقبل الحسبة ولا يقبل العد، فيمنى «أبو خالد» إن رفعت للسلام أو بايعت على العهد، لا تبغي غير الوطن، ولا ترتضي غير فرح الناس وأمنهم والسعد.

دولة بناها المؤسسون من السلف الأوائل، بتعب الأيام وشقائها، وتابع مسيرتها الخيّرة الخلف من أصحاب الرؤيا والرؤية بكل حدب وصبر ومواصلة الليل بالنهار، ويتولى زمام أمورها اليوم من خلف بعد السلف، وحلف أن تظل الإمارات رقماً عصيّاً، ومركزاً متقدماً، وإنجازاً متفرداً، الخير فيها، لها ولغيرها، والشر بعيداً عنها، وبعيداً عن غيرها، الإمارات بعد الخمسين، وفي عهد «محمد» الأمين ستشهد نهضتها الثالثة والواثبة، ليست على الأرض فقط، ولكن نحو الفضاء، والفضاء الافتراضي، وعالم من الذكاء الاصطناعي، وملاحقة العقل الإنساني في ابتكاره سبر المستقبل، وتحطيم منظومة الوقت من أجل إنسان مختلف، متعاف، يسعى للسعادة، بعيداً عن الوجع والهم، وما تخلفه الأيام من ألم.

خمسون عاماً من العطاء، ومد يد العون للصديق والشقيق، البعيد والقريب، وذلك الشيء الجميل والمشترك بيننا وبين الآخر في الإنسانية دون تفرقة بين دين وثقافة وجنس، لأن الإمارات أنموذج للتسامح والعيش بسلام ومحبة وأمان، يرى الزائر فيها هذا، ويسمع البعيد عنها هذا، فهو نهجها، وشعارها، ويعيش تحت سقفها أكثر من 200 جنسية، لا تعرف غير الإخاء والعدل والمساواة والأمن التام.

خمسون عاماً، ماذا بعد الخمسين، غير بشائر الخير، وأحلام بالنجاح والتفوق، وآمال عراض من أجل الأجمل والأفضل لإنسان هذا الوطن، وللأجيال المقبلة، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مرة: سنحتفل بعد سنوات بآخر برميل نفط نصدره، ولن نجزع، لأننا خططنا لهذا الاحتفال، ولن نتراجع لأن النفط نضب أو انتهى زمنه، لأننا عرفنا ذلك، وبنينا نهضة جديدة من دونه، وفي غيابه، استثمارنا الحقيقي في الإنسان وفي تمتين دعائم الوطن.

خمسون عاماً أمضيناها بالتحدي، ومسابقة الأحلام، وخمسون عاماً مقبلة سنتسابق فيها مع أنفسنا أولاً، ومع الدول المتقدمة ثانياً، لأننا لن نلتفت لترهات أعداء النجاح، ولا لأقوال المزايدين ولا زبد المادحين، ولا لشكوك الحاقدين، الإمارات شجرة خضراء ظليلة ومظلة، وخيرها يصل القريب والغريب، في ظل قيادة الحكمة غايتها، والرشد هدايتها، تحمل الهم وتشيله، ولا تدمع عين إنسان، ولا يتوجع وطن هو أعز مكان.

المصدر: الاتحاد