ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

للغالية.. عائشة بنت هادي

آراء

للأمهات في كل مكان.. الزارعات الحياة بالأمل، والكاسيات الألم ببسمة شفاء، لهن ومن أجلهن يمكن أن يضحك القلب، وترف العين بدمعة السعادة، للصابرات في كل مكان، المتحملات ثقل الوقت، وهزيمة الزمن، وجحود البعض، للمُتعَبات منهن لفراق أحبتهن، المرسلات فلذات الكبد إلى مرافئ العالم، وخلف بحور الشقاء.. لهن اعتذار قبل التحية، اعتذار قبل الشكر، اعتذار كثير ليتها تقبله، وشكر جزيل ليته يوفها حقها، ونحن بين الاعتذار والشكر، نتلمس صيغة، غايتها مسح الخطأ والخطايا، وتقديم المعروف ناقصاً ومتأخراً، لطول بالها وتعبها وألمها وشغفها وهلعها، دمعتها التي تخبئها عن الضنا إن غاب أو حضر.

للسيدة الجليلة في عيدها باقة من ورد أكثر وأكبر، أكثر من الاعتذارات، وأكبر من الشكر، باقة من حب يليق بسيدة العالم.. تلك التي تحتضن البدايات البكر لكل الأشياء الجميلة في الحياة، مانحة لها ذلك التأنيث وذلك الارتواء وذلك العطف الذي لا ينتهي.نتذكرها اليوم.. ونَحنّ لكل تفاصيلها في المشهد، وكل خطواتها على بساط الحياة، الذي لم يكن أملس طوال الوقت أو أخضر على الدوام، نتذكرها بفرح طاغٍ، متمنين لو بقينا مثل أطفال الحكايات في قصصها المسائية، لا نكبر إلا في الرأس، ولا نغادر إلا حين نحلم أو نطير مع أبطال الزمان أو حين يغلبنا النوم على رجلها أو دفء حضنها، لا نبرح المكان، ولا نبرح ذاكرتها. اليوم·· هي ذاك المشهد الجميل في الوقت الجميل·· الذي غاب كخفقة جناح طائر خفيف، تحضر هي.. بدقة الهاون في صباح العين الندي، وقهوتها المقندة المعمولة للتو، فرحة الصبح وحركتها التي لا تنتهي.. وذلك الحنو على الجميع، تشبه الحياة حين تكون في زهوها، مرة.. هي اللغة الأولى والحروف الأولى والنطق والتأتأة والتلعثم ومحاولة الحبو والوقوف والسقوط، ودمعة الكحل عند المساء، أو لحظة التقميط، أو ساعة الاستحمام أو ليلة الحناء أو وقت الفطام، هي.. الخطى الأولى نحو المعرفة، وتلك العذوبة والبساطة التي تختزل الحياة بـ «الحمد لله»، هي ضحكة الحياة التي تختبئ خلف الأيام، وخلف العمر الذي يجرّ أبناءها أمام عينها نحو الكبر، ونحو أعشاشهم الجديدة، فيما تظل هي تصرّ «الشفايا» في طرف «وقايتها» أو «مندوسها» لحين يحضر الغالي.

تيجان الرأس، ونساء من وقت وتعب.. ونساء من حب، لا يتعبن من حمله، ومن عمله، ولا من ترديد كلمة: «الغالي»!

للغالية.. عائشة بنت هادي، تحية من وليدها في يومها، وكل أيام عيدها، تصغير خده لموطئ قدمها، وتربة نعلها، ولها قبلة منه باقية على رأسها دوماً، وعلى جبنيها أبداً.. وليتها تقبل اعتذاره المفرد بصيغة الجمع الذي لا يكفيها.. وتقبل شكره بوابل الدمع، والذي لا يوفيها!

المصدر: الاتحاد