سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

مجموعة رجال في رجل واحد!

آراء

الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، هو باني دبي، وهو الرجل الذي كان وراء تطورها وتقدمها ونموها، ليس في عصره فقط، بل امتدت آثاره وبصماته ورؤيته إلى يومنا هذا، فعلاوة على إنجازاته الملموسة في تأسيس معظم مشروعات البنية التحتية، التي أسهمت في ازدهار المدينة، فهو من قام أيضاً ببناء وتأسيس الشخصية القيادية، التي قادت دبي إلى العالمية في التاريخ المعاصر، شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله..

«لقد كان الشيخ راشد مجموعة رجال في رجل واحد، يملك إرادة وعزيمة وفكراً، ورؤية وطموحاً، ولقد تعلمت شخصياً منه، ومن خلال مجلسه وتوجيهاته، حرص على أن يزرع بين جنبي تلك الميزات والصفات التي كان عليها رحمه الله. إن دبي لتدين بما تحقق فيها من إنجازات للشيخ راشد، ولك أن تعدد ما تحقق من هذه المشاريع العملاقة، لتكتشف أنها من فكر وصنع وقرار الشيخ راشد وحده»، هذا ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن والده، رحمة الله عليه.

من عاصر وعاشر ورافق الشيخ راشد بن سعيد عن قرب، يعرف تماماً أن هذه الشخصية القيادية بالفطرة، لديه من المؤهلات والمقومات والصفات ما يجعله فريداً ومميزاً واستثنائياً، فقد كان رحمه الله هادئ الطباع، لا يغضب ولا يُستفز، يمتاز بسعة الصدر والحلم، وهذه مزايا فريدة أكسبته الحكمة والتريث، وساعدته دائماً وأبداً على صناعة القرار الصحيح، في مختلف الظروف الصعبة والمعقدة.

نعم.. لقد حباه الله صفات القائد، وأكسبه صفات شخصية أهلته لإدارة دفة الحكم في دبي، والإسهام الفاعل في إقامة وبناء الدولة الاتحادية بمعية ورفقة أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، لكن الصفات والإمكانات ليست كل شيء، فشخصية راشد بن سعيد رافقها عملٌ دؤوب، وجهد ضخم، ومتابعة ميدانية دقيقة ومستمرة لكل المشروعات، فلم يكتفِ بالإشراف عن بُعْد، ولم يعتد إصدار الأوامر والتوجيهات من مكتبه أو مجلسه، بل كان مهندساً بين المهندسين، ومشرفاً بشكل مباشر على المشرفين، ويعشق إنجاز العمل تحت عينه، وبذلك نهضت دبي، ونُفذت المشروعات، وبدأت فيها خطوات النمو والتنمية الشاملة.

برنامج الشيخ راشد بن سعيد اليومي كان ثابتاً لا يتغير، يبدأ يومه عند صلاة الفجر، ويخرج ليجلس على كراسي خشبية خارج قصره في تمام السابعة صباحاً، لم يتأخر يوماً، لا في جو باردٍ أو حار، هذا التوقيت مقدس بالنسبة له، يبدأ فيه متابعة المشروعات، حيث يلتقي المهندسين والمقاولين والمسؤولين، يتناقش معهم، ويتابع كل صغيرة وكبيرة، ثم لا يكتفي بتقاريرهم وخرائطهم وأوراقهم، بل ينطلق بسيارته في تمام التاسعة صباحاً، ليبدأ جولاته التفقدية الميدانية، فيرى بعينه ما سمعه منهم بأذنه، وتالياً لا يترك لهم مجالاً للتراخي أو التقاعس، فقد كان دقيقاً في متابعة كل توجيه أو معلومة أو تعديل، وبعد جولته الميدانية ينطلق إلى ديوانه، ليقابل الناس والتجار والضيوف، ولا ينتهي يومه عند هذا الحد، بل يواصل عمله عصراً إلى وقت أذان العشاء.. هكذا كان رحمة الله عليه، شعلة من النشاط، لا يمل العمل اليومي المتواصل، ولا يكسره إلا في إجازة نهاية الأسبوع، حيث يقضيها في رأس الخيمة أو حتا، ولا تخلو الإجازة، أيضاً، من متابعة أحوال الناس في تلك المناطق.