عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

أنت شغفك وشغفك هو أنت

آراء

تحدثْ كثيراً عندما تُجالس نوعية معينة من الأشخاص، فإنهم يبادرون بالتقليل من شغفك واهتمامك ويقولون عبارات غير منطقية، مثل: الدولة وصلت إلى الفضاء وأنت لا همّ لك سوى السينما أو كرة القدم، أو أياً كان شغف أحدنا.

استصغار شغف الناس سمات المتصنّع المتظاهر، الذي يلبس قناعاً يخفي سطحية وتفاهة يخجل منهما.

استصغار شغف الناس سمات المتصنّع المتظاهر الذي يلبس قناعاً يخفي سطحية وتفاهة يخجل منهما، ومن أبرز سماته التركيز على السلبيات، واتهام أفراد المجتمع بالتفاهة دون أدنى احترام لاهتمامات الآخرين.

كرة القدم صناعة تقدر بمليارات الدولارات، وليس عيباً الشغف والاهتمام بها وبصفقاتها، وهذا الشغف لن يزول حتى لو وصلنا إلى الفضاء وأقمنا مستعمرة على سطح القمر.

نحن بشر خلقنا بأشكال وألوان وألسنة وأذواق مختلفة ومتنوعة تنوعاً رهيباً لا يتخيله عقل، وكذلك هي اهتماماتنا متنوعة بتنوع شخصياتنا، فأنا أحب السينما، وهذا يحب الكرة، وذاك اهتمامه السيارات، وتلك شغوفة بتصميم الأزياء، وصديقتها مهتمة بعلوم التقنية والكمبيوتر أو تعلم اللغات.

لماذا الاستنكار والانتقاد وتصوير شغف الآخرين على أنه تافه لا قيمة له؟ لماذا لا يوجد لدى البعض منا احترام لذائقة الآخر؟ هل تخلفت ألمانيا واليابان في كرة القدم عندما أبدعتا في علوم الهندسة أو العكس؟ ألم تنهض الدولتان من ركام الحرب العالمية الثانية وأبدعتا في مختلف المجالات ومنها الرياضة والفنون!

أنت شغفك وشغفك هو أنت، الشغف جزء من شخصية الفرد وهو يمنحك ميزة على غيرك عندما تتعلق به وتتعمق فيه فتصبح متخصصاً خبيراً ومرجعاً، بعكس المتصنع الذي يريد تشتيتك إلى موضوع لا يعنيك، وهو نفسه غير ملم به بسبب سطحيته التي تكتشفها بمجرد الاسترسال معه في حديث.

عندما تتحدث مع شخص غربي عن شغفك تجد منه اهتماماً كبيراً لأن مبدأ التخصصية في الغرب مقدس، وهو سبب تقدمهم علينا، وعندما لا يعلم الشخص شيئاً لا يخجل من قول كلمة لا أعلم، أما «البطل العربي» فعندما تتحدث معه عن شغفك لا تسلم من الانتقادات لأن المدعين يريدونك أن تفهم في كل شيء، من هندسة الطيران والاتصالات إلى الذكاء الاصطناعي الذي أصبح حديث الساعة عند البعض من دون أن يفهموا فكرته.

اهتمام الحكومة بتطوير التعليم وتحقيق قفزات نوعية في مجالات العلوم المتقدمة واستكشاف الفضاء، لا يعني أننا يجب أن نترك شغفنا بما نحب، فكل واحد منا يخدم الحكومة أو الجهة التي يعمل فيها بقدر علمه وخبرته ومقدرته على تطوير ذاته، والشخص الذي يرى نفسه مؤهلاً لخدمة مشروعات الوطن سترحب الحكومة به وتدربه وتعلمه وتوجهه من دون أن تجبره على ترك شغفه.

فلا تَدعْ مُدعياً ومنفصم الشخصية يقول لك إن ما تهتم به وتعشقه لا قيمة له، فالأمم لا تتطور من دون شغف، ولو كنا على مزاج وهوى واحد، كما يريدنا السطحيون، لتخلفنا ولسبقتنا الأمم.

ختاماً: تذكروا أن الشغف بحاجة إلى أن ينمو، وأفضل طريقة لتنميته هي توافقه مع وظائفكم، لو استطعتم، أو مشاركة الآخرين باهتماماتكم حتى يتضح للجميع أنك أنت أو أنتِ الشخص المرجع في أمر ما، ولا تسمحوا للمدعين بانتقادكم، فكم من شخص حُرمنا من موهبته وإبداعاته من كثرة الانتقادات الهدامة.

المصدر: الإمارات اليوم