الثقافة وأكل البصل!

آراء

تسألني الإعلامية مهيرة عبدالعزيز إن كانت الثقافة «تؤكل عيشاً» وأجيبها أن الثقافة في العالم العربي تخرجك أحياناً من الملة وتدخلك السجن. وفي زمن «الإعلام الجديد» لم تعد أجهزة الرقابة والتجسس في حاجة لإرسال المراقبين السريين لمراقبة ومتابعة المثقف. فهم اليوم يستطيعون معرفة كل حركاته وبماذا يفكر وهم جالسون تحت المكيفات في مكاتبهم. فهذا المثقف المسكين لايقوى على أن يخبئ شيئاً. فما إن تطرق الفكرة رأسه حتى يكتبها على تويتر أو قناة تواصل أخرى.

كثيراً ما نصحت -عبر الكتابة الصحفية- مسؤولي الأمن بأن يوفروا جهدهم في تتبع ومراقبة المثقف ويستثمروا الميزانيات الضخمة والكفاءات البشرية الأمنية العالية في رصد تجار المخدرات والحرامية وقطاع الطرق. أما المثقف فهو يكتب وينشر فكرته بمجرد أن ترد على باله. ويرصد بنفسه كل حركاته ومقابلاته: أنا مع الأصدقاء الآن في شارع التحلية. أو: أقرأ الآن «لوعة الغاوية» لعبده خال. أو: أغادر إلى الرياض بعد ساعة. وهكذا تحول بعض المثقفين إلى مراقبين على حركتهم وفكرهم.إذن يا كلَّ أجهزة الرقابة الموقرة، دعوا المثقف «يفضفض» كيفما شاء وركزوا جهدكم على المخاطر التي تهدد المجتمع من عنف ضد النساء والأطفال وسرقات السيارات وكثرة حوادث الانتحار.

وأنت يا مثقف واصل الثرثرة فلا أحد من إياهم يأبه بما تكتب أو بدعواتك للتغيير والتطوير. أنت منشغل بكتاباتك وعقلك والقوم منشغلون بغنائم المنصب و «مخططات» المدن والقفز من زحمة المليون إلى نخبة البليون. نعم، وأبصم لك بالعشرة، إن الثقافة في عالمنا العربي «لاتؤكل عيشاً» وليت ذلك يكفي. فكم من مثقف شقي بعلمه ورأيه وأضاع عمره، حيناً يشرح موقفه ويبرر مقالته وحيناً آخر ينتظر أجله في غياهب السجون.

 المصدر: صحيفة الشرق