سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

الوزير المتحضِّر و«البدو»!

آراء

القاعدة العامة أن الناس في الدول الطبيعية تقرأ صحيفة واحدة، أحياناً مدى الحياة. الأكثر اهتماماً، يقرأون صحيفتين. اللبناني عليه أن يقرأ جميع الصحف لكي يقرأ جميع الآراء، لكي يعرف جميع النوازل، لكي يعرف مصير الجميع.

والقارئ في أنحاء العالم يفتح صحيفته في حماسة وتفاؤل، في لبنان يفرد صفحاتها خائفاً، متوجساً ومذعوراً: ماذا حدث اليوم؟ من قال، وماذا قال – خصوصاً – يريد أن يقول. وكل شيء في لبنان متوقع: القول والقائلون والقوالون.

وزير الخارجية، شربل وهبة، مفاجأة المفاجآت. قال معاليه؛ مسؤول الدبلوماسية اللبنانية في هذا الزمن، ما خلاصته أن السعودية والخليج أرسلوا إلى بلاده الدواعش، وكذلك إلى نينوى. وانتقد وهبة حياة «البدو»، ساخراً منها.

يميز وهبة بين حياتنا وحياة «البدو». مثلاً: الدينار الكويتي يساوي 5.077.35 ليرة لبنانية متحضرة. مثلاً: نسبة البطالة في لبنان المتمدن 60 في المائة، عند بدو السعودية «صفر». مثلاً: 25.6 مليون مسافر في مطار دبي هذا العام بعد انخفاض الرحلات بنسبة 70 في المائة بسبب الوباء. معدل الرحلات الآن 2000 في اليوم. بدو.

معالي شربل وهبة يعبر عن رأيه الشخصي، كما أعلن القصر الجمهوري تستّراً على الكلام الذي وصفته «إليسا» بالغباء. وهذه أول مرة ربما في التاريخ يقال عن وزير خارجية إنه يمثل نفسه. طبعاً اللبنانيون يعرفون ذلك ولا حاجة إلى تذكيرهم. وكلام وهبة لم يفاجئهم. ومنذ سنوات لم تعد وزارة الخارجية تفاجئ أحداً. المفاجأة كانت في تنصل الرئاسة من وزيرها بهذه الطريقة، وكأنه فُرض عليها بالإكراه، مع أنها سارعت إلى تعيينه خلال ساعات، انتقاماً من استقالة الدكتور ناصيف حتي؛ الدبلوماسي العاقل والمثقف والقادم من مدرسة الجامعة العربية، في حفظ الأخلاق في العلاقات العربية.

الخارجية اللبنانية كانت مدرسة من مدارس الدبلوماسية في الشرق. وكانت حقيبتها الأولى في الحكومة من حيث الأهمية؛ لأنها تمثل سياسة الرئيس وصورته شخصياً. لذلك احتلها رجال مثل فيليب تقلا وشارل مالك وفؤاد بطرس ورشيد كرامي وسليم الحص وصائب سلام… إلخ. هؤلاء كانوا يمثلون لبنان برمّته، وليس أنفسهم. وهؤلاء بنوا علاقات لبنان الراقية، القائمة؛ قبل كل شيء، على مصلحة لبنان ومصلحة اللبنانيين. ومن المصادفة أن أهم علاقات لبنان؛ دولة واغتراباً، هي مع الدول التي انتقدها. هناك يعيش ويعمل مئات آلاف اللبنانيين، الذين حموا أهاليهم من المجاعة والبطالة والفقر والعجرفة التافهة.

المصدر: الشرق الأوسط