عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

تعاضد

آراء

في قرية صغيرة شارع مشهور بأربعة أكشاك تبيع الشطائر وعصير الليمون، هذه الأكشاك الأربعة مقصد الناس وقت الإفطار والغداء والعشاء، وهي سبب رئيس في تنشيط المنطقة خلال أيام الأسبوع، وبشكل مضاعف في الإجازات.

المنافسة على أشدها بين الأكشاك الأربعة، التي يبعد كل واحد منها عن الآخر 50 متراً، فإذا قدم الأول شطيرة خاصة، نافسه الثاني أو الثالث أو الرابع بشيء مماثل شكلاً ومختلف مذاقاً أو مغاير شكلاً وطعماً.

في أحد الأيام قرر أحد كبار التجار بناء مركز تجاري على الجهة المقابلة للأكشاك، وبعد عامين انتهى بناء المركز، وفي الطابق الأرضي منه توجد ردهة مطاعم. اختل توازن السوق بالنسبة للأكشاك الأربعة، وخف الإقبال بشدة على منتجاتها، ولم تعد الناس تُوجد بكثرة في شارع الأكشاك.

مرت ستة أشهر، وكسدت بضاعة الأكشاك، فالخبز الذي يشترونه تنتهي صلاحيته قبل استخدامه في إعداد الشطائر، مقارنة بالوضع السابق، عندما كانت كمية الخبز الذي يشتريه صاحب أي كشك تنفد في اليوم نفسه. والشيء نفسه بالنسبة لليمون.

اضطر صاحب الكشك الثالث أن يغلق ويرحل إلى مكان آخر، أما صاحب الكشك الأول فقرر تغيير موقعه، والانتقال إلى داخل المركز التجاري، إلا أنه لم يتمكن، بسبب غلاء الإيجار، وارتفاع كلفة العملية التشغيلية، فانصرف للبحث عن مكان آخر.

صاحب الكشك الثاني أغلق، وذهب إلى بيته يندب حظه، وبقي صاحب الكشك الرابع وحيداً في مكانه، لا زبائن عنده إلا القليل، ويمضي وقته في مشاهدة مبنى المركز التجاري الرابض أمام عينيه، والذي سلب منه زبائنه.

اتصل صاحب الكشك الرابع بصاحب الكشك الثالث، وطلب منه الحضور إلى الشارع. ذهب الأخير مستغرباً، وعندما وصل قال له الأول: نحن نواجه أزمة وجودية، فما رأيك لو دمجنا عملينا وتقاسمنا الأرباح؟ وافق صاحب الكشك الثالث، لكنه قال: وكيف نسترجع الزبائن الذين أكلهم ذلك الوحش، وأشار إلى المركز التجاري؟

تنهد صاحب الكشك الرابع، وقال لا أعلم، أمهلني يومين أفكر في حل. بعد يومين اتصل بصاحبي الكشكين الباقيين، ودعاهم جميعاً إلى اجتماع عاجل في كشكه، قال فيه: ما رأيكم لو تشاركنا وصفات خلطاتنا الخاصة، وصنعنا خلطات جديدة، وفتحنا باسم واحد، وتقاسمنا الأرباح بالتساوي؟

وافق الأربعة، وعادوا إلى الموقع، وفتحوا كشكاً واحداً كبيراً، أصبح بمثابة مطعم ضخم. بمجرد أن رأت الناس الشكل الجديد، عادت إلى الشارع، وانتعش عملهم.

عبرة

تتحد الناس وتتعاضد في الأزمات من أجل تحقيق المصلحة العامة، سواء كانت أزمة سياسية توحّد المتناحرين من أجل الدولة، أم اقتصادية توحد المتنافسين في وجه ما يهدد وجودهم. الأزمات ليست مصدر المشاعر السلبية فحسب، لكنها أيضاً تولد الاستجابة الإيجابية، والتأقلم، والإيثار، ووحدة الصف، والقوة في مواجهة كارثة.

المصدر: الامارات اليوم