هالة بدري
هالة بدري
مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي

#ثقافة_المناصب

آراء

مَنْ منكم يستيقظ صباحاً، ويحدّق في المرآة، ويفكر في مسمّاه الوظيفي، قائلاً لنفسه: «ها أنا ذا، مدير ذو منصب، وهذا المسمى يجعلني مُهماً في حياة الآخرين، ويفعمني بالإثارة لأداء عملي؟».

لم يكن المنصب، أو المُسمّى الوظيفي، قط المحفّز الأول الذي يدفعنا لنستيقظ كل صباح، متجهين إلى أداء مهماتنا بإتقان وولاء، لكنه النجاح وتحقيق الأهداف وشغف العطاء وفريقٌ معطاء وقائدٌ ممتنّ هو ما يدفعنا نحو التطلّع إلى يوم آخر من الإنجازات.

كثيرون يعتقدون أن مناصبهم ومسمياتهم الوظيفية المنتفخة هي التي تُكسبهم احترام الآخرين، وتحدد مواقعهم من الإعراب بين السلالم الوظيفية والهياكل التنظيمية، ويسعون كلَّ السعي إلى مضاعفة أعداد الموظفين وميزانياتهم ومسؤولياتهم، دون أن يقيموا أي اعتبار لرؤية أو أهداف، يتمنون تحقيقها بهذه الكتل من الأجسام والأموال.

للأسف.. إن ما يدفع البعض إلى هذا التصرّف هو مفهوم #ثقافة_المناصب في مؤسساتنا، التي تحترم #سعادة_المسميات أكثر من تقديرها لذوي الفِكر، فتنتقل عدوى النفوذ والسلطة إلى ذواتهم فيتضخّم فيهم «الأنا». وبالتالي ينحرف صاحب المنصب عن مساره الصحيح، وينتقل من تمكين فريقه لتحقيق أهداف المؤسسة إلى التركيز على تعظيم شأنه، وتطوير أجندته الشخصية.

وإذا استمررنا في تبجيل المسميات الوظيفية، بدلاً من تقدير القيمة المضافة التي يمنحها ذوو المناصب للمؤسسات والأفراد، فإن استمرارية النجاح ستتضاءل شيئاً فشيئاً، حتى تتلاشى وتتلاشى معها هيبة القائد، وينعدم أثره وتأثيره، كما أشار سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «المؤسسات نوعان: الأولى مؤسسات القائد الواحد الأوحد، والثانية مؤسسات الفريق الواحد المتعاضد، الأولى مؤقتة، والثانية دائمة».

إن ما يجهله كثيرٌ من أصحاب المناصب أن فريق العمل لن يتذكر مسماه الوظيفي بعد سنين من تركه عمله، لكنه سيذكر قائده بالخير لكلمةٍ طيبة تركت أثراً في قلبه، لدعمه عند نجاحه وفشله، لأفعاله التي تعكس أخلاقه، لإخلاصه وتفانيه في عمله، لقربه من فريقه، تماماً كما ذكر سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد:

«إن الإرث الحقيقي لأي قائد في أية مؤسسة هو صناعة الرجال، وترسيخ ثقافة الإخلاص، وبناء روح الفريق، وغرس بذور التجديد والابتكار».

فعلاً.. إن ما نحمله معنا عند ترك أي وظيفة أو مؤسسة، هو السمعة الطيبة لقائدٍ متميز استثمر فينا الوقت والجهد لنصبح أفضل مما كنّا عليه، كما أن الإرث الحقيقي لأي قائد يترك وظيفته، في أي مؤسسة، يتلخص في الأثر الطيب الذي خلفه، ليتذكره كل من عمل معه لسنين طويلة.

فأيّ إرثٍ ستُخلفه لمن يأتي بعدك؟

المصدر: الإمارات اليوم