سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

حابس الأنفاس

آراء

كان ألفريد هيتشكوك سيد أفلام التشويق، في القرن الماضي، بلا منازع، بل إن اسمه تحول إلى صفة، أو نعت، لجميع الأفلام في هذا الحقل. ولا تزال كلمة هيتشكوك إلى اليوم تعني الخوف والرعب والمفاجأة والبطل غير المتوقع. واليوم نعرف من السيرة التي وضعها إدوارد وايت أن الذي حرك عبقرية المخرج البريطاني هو الخوف من كل شيء: الشرطة، الغرباء، قيادة السيارات، العزلة، الحشود، المرتفعات، الماء، والخلافات من أي نوع كان.

ولد هيتشكوك عام 1899 في أحد أحياء إيست إند، القطاع الشرقي البائس من عاصمة الإمبراطورية البريطانية. أما مكان الولادة فكان في الطابق الثاني من دكّان بين السمك والبطاطا التي يملكها والده. ترك المدرسة مبكراً في الخامسة عشرة، لكنه أراد لنفسه مستقبلاً في الفنون، فأخذ يتابع دروساً مسائية في جامعة لندن، وجاءه الحظ لاحقاً في الصداقة التي أقامها مع أمير الوسامة في هوليوود غاري غرانت. وإذا كان غرانت فائض الوسامة بقامته الطويلة النحيلة وشعره الأسود اللامع، فإن هيتشكوك كان يشكو من السمنة والصلع ومن شفة سُفلى نافرة إلى الأمام، لعل الأول كان يحتاح إلى الوسامة من أجل التمثيل، أما المخرج فلم يكن في حاجة إليها، حتى في مطاردة النساء، أو في اختيار جميع بطلات أفلامه، من الشقراوات السامقات القوام.

أمضى هيتشكوك النصف الأول من عمله في بريطانيا، والنصف الثاني في الولايات المتحدة، لكنه حافظ دائماً على لكنته «الكوكني» الشعبية التي تعايشت معه من أزقّة الإيست إند، وصراخ الباعة والبائعات في المخازن البسيطة. إضافة إلى المخاوف الشخصية التي لازمته طوال الحياة. عاش هيتشكوك ثمن القلق والفقر الذي دمّر أوروبا في الحرب العالمية الأولى. ولعل تلك التجربة زرعت فيه نوعاً من الساديّة التي استخدمها في أفلامه. وكان يستمتع بإذلال الآخرين والسخرية منهم، خصوصاً النساء. في أحد أفلامه أرغم ممثلة تعاني من حساسية الدخان على القيام بمشهد في صندوق هاتف مليء بالبخار، غير أنه في الوقت ذاته كان كثير السخرية من نفسه ويسعى دائماً إلى إضحاك الآخرين برواية النكات عن ذقنه ذات الثلاث طبقات، أو عن بطنه المتعدد الطبقات هو أيضاً.

يقول كاتب سيرته إدوارد وايت إن هيتشكوك كان الشخصية الأكثر «غموضاً وتعقيداً في القرن العشرين» وقد لا يكون الأعظم موهبة أو الأكثر نجاحاً، «ولكنه الأكثر تأثيراً في عالم السينما». لم تلقَ جميع أفلامه النجاح، لكن بعض هذه الأفلام تحوّل إلى تُحف مفصلية في تاريخ العمل السينمائي. ويعتقد وايت أن هيتشكوك حمل في داخله جرحاً قديماً من أيام الفقر في «الإيست إند»، وهذا ما جعله مجموعة من المتناقضات، التي استوحاها أيضاً في أعماله. كثرت من بعده الأفلام القائمة على التشويق والإثارة وحبس الأنفاس، مثل سلسلة جيمس بوند، لكن عندما يُكتب تاريخ هذا النوع من الأفلام لا يزال يبدأ معه وينتهي معه أيضاً.

المصدر: الشرق الأوسط