حمدان بن محمد.. فروسية الشعر وإبداع الصورة والتراث

أخبار

دبي – ياسر موسى

تقترن باسم سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، مبادرات عديدة، واستراتيجيات متكاملة، توجهت باهتمامها نحو النهوض بالمشهد الثقافي في الإمارات، ورعاية قطاع الاقتصاد الإبداعي في الإمارة، وتعزيز مساهمته في اقتصادها.

وهذا نهج اختطه سموه مستلهماً أفضل ما تعلمه في مدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في القيادة.

وقبل ذلك، ومن ثم بالتزامن معه، برز سموه مساهماً بنفسه، بوصفه واحداً من أركان الثقافة في الإمارات، وشاعراً يعد أحد أبرز ممثلي الشعر النبطي، الذي يمثل نوعاً أدبياً أصيلاً، يرفد الثقافة العربية بجسور تربط حاضرها بماضيها، وتصل بين الأصوات الإبداعية والقيم الحضارية للثقافة العربية الإسلامية.

وقد كان النهر الشعري المتدفق، الذي مثلته الإنجازات الإبداعية لسموه، رافداً أساسياً يصب في إثراء الأغنية العربية، وتدعيم المكتبة الموسيقية بكلمات ومفاهيم وأوزان وأفكار جديدة.

وقد اتسعت إسهامات سموه الإبداعية لتشمل الفنون، حيث اغتنى المشهد الإبداعي في الإمارات بالإنجازات التي قدمها في مجال التصوير الضوئي، سواء بما قدمه سموه من إبداعات خاصة في هذا المجال، أو من خلال دعمه لهذا الفن وتعزيز حضوره في الإمارات وتشجيع القطاعات الأوسع من الشباب على الدخول في مضماره.

وفي هذا السياق، شملت جهود ومبادرات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، واحداً من أهم القطاعات، وأكثرها اتصالاً بالهوية وترسيخ أركان الثقافة الوطنية، فشمل سموه برعايته التراث بمجالاته، وأولى عنايته لمفرداته، وأرسى له حضوراً مؤسسياً فاعلاً. وبالتوازي مع ذلك، أرسى سموه تقاليد التواصل مع المحيط الثقافي العربي، لا سيما الخليجي، وأقام منصات للتفاعل بين المبدعين ومنتجي الثقافة في الإمارات وأقرانهم في الساحات الثقافية العربية الأخرى.

إسهامات نوعية

على مدار ستة عشر عاماً، منذ تولي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولاية العهد في دبي (1 فبراير 2008)، حقق القطاع الثقافي في الإمارة قفزات نوعية وشهد طفرات كبيرة، كما أن سموه وضع بصمته الواضحة على مسارات العمل الثقافي عموماً. وإلى جانب ذلك، دعم سموه المبدعين وأسهم على نحو فاعل في تحويل التوجهات العامة في الثقافة والإبداع إلى استراتيجيات حكومية معتمدة.

وبهذا، فإن إسهامات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، في المجال الثقافي تتنوع على نحو ثري؛ منها ما يتصل بشخصيته كمبدع ومنتج للثقافة وداعم لقطاعاتها ومجالاتها المختلفة، ومنها ما يتصل بدوره القيادي، ولياً لعهد دبي، ورئيساً لمجلسها التنفيذي.

وفي كل الأحوال، جاءت هذه الإسهامات استثنائية، أحدثت فرقاً في موقع الثقافة في المجتمع، كما في حضورها العام في الحياة اليومية، وفي سياق الإسهام الاقتصادي والتنموي، وكذلك في سياق عملية بناء الإنسان الجديد.

وهنا، فإن «فزاع»، اللقب الذي انتقاه واختاره سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، لنفسه، يمثل مساراً من الإبداع والعمل الثقافي المباشر، له محدداته ومنطلقاته، كما أن له منجزاته.

وبالمقابل، فإن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، وإلى جانب حمله أمانة ولاية العهد، يحرص على الاشتغال بحرص وتفانٍ على مسارات تنموية شاملة، من بينها العمل الثقافي ومأسسته وتعزيز فضاءاته النوعية، إلى جانب دعم ورعاية الاقتصاد الإبداعي وترسيخ حضوره.

وعملياً، لقد سارت إنجازات سموه في المجال الثقافي باتجاهين: الأول: الإسهام الشخصي المباشر، وجاء من خلال الإنجاز الشعري المبدع، ودعم الأغنية العربية، وإعادة إحياء التراث وفنونه ومفرداته، وتأكيد أهميته الخاصة في تعزيز الهوية وإثراء مكون الثقافة الوطنية، والريادة في دعم ثقافة الصورة والتصوير الضوئي.

والثاني: الإسهام الرسمي والدور القيادي، وجاء من خلال قيادة الجهود في مجال تنظيم القطاع الثقافي، ومأسسته، ودعم المبدعين، وإبراز الشخصية الإبداعية الإماراتية وترويج المنتج الإبداعي، وإغناء القطاع الثقافي بالمبادرات الملهمة، التي أحيت النشاط فيه وحولته إلى نشاط اجتماعي على صعيدي الإنتاج والتلقي.

إن الحديث عن الإسهام الشخصي، والدور القيادي الذي مارسه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم لا يكتمل من دون الحديث عن الشخصية الإبداعية لسموه، التي كان لها، ولا يزال، تأثيرها القوي بما يتعلق بالتوجهات العامة المتصلة بالثقافة.

وفي الحديث عن هذه الشخصية الإبداعية، تبرز محددات فريدة، يجتمع في عوالمها الإرث الثقافي مع التقاليد العائلية، والموهبة الشخصية، باعتبارها مكونات أساسية، وأركاناً راسخة.

وهنا يجري الحديث عن:

أولاً: الإرث الثقافي: لقد اغتنت الشخصية الإبداعية لسموه في نشأتها بالثقافة الإماراتية، التي كانت تعبر عن نفسها بالشعر، نبطاً وفصيحاً، وتنهل من التراث ومفرداته الثرية.

ثانياً: التقاليد العائلية: لقد نشأ سموه في كنف أسرة عشقت الشعر ونظمته، وأجادته، فوالده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، شاعر حمل لواء القوافي، وضبط أوزان الشعر، منذ الصغر، وأتقن نظمه نبطاً وفصيحاً. وحينما لمح الموهبة الشعرية لدى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، احتضنها واهتم بها.

ثالثاً: الموهبة الشخصية: اتسمت الموهبة الشخصية بطابعها الفطري، فجاءت متسمة بالبلاغة، وقوة التعبير، ودقة المعنى، وصدق العاطفة، وقد اغتنت هذه الموهبة بالاحتكاك بأهم التجارب الشعرية، والتعرف إلى أفضل نصوص التراث الشعري، فاتسم منجز سموه الشعري بالتمكن وخصوصية الأسلوب وفرادة التناول.

وعليه، فإن الشخصية الإبداعية لسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، تعكس حجم الدور القيادي في المجال الثقافي، كما أنها القيمة الاستثنائية لمنجز سموه الإبداعي، الذي مكن سموه من صنع مكانة مرموقة لنفسه في خريطة الشعر على مستوى المنطقة، وأن يشكل بحضوره الشعري حالة متميزة عنوانها التميز والفرادة، ما كرس سموه وإنتاجه الشعري نموذجاً يحتذى، لا سيما من قبل جيل الشباب المبدع، الذي تأثر بموهبة سموه، وأحب قصائده، وحفظها عن ظهر قلب، ولفت فيها وأذهل بمضامين البلاغة وقوة التعابير وجمال الصورة، ودقة المعنى.

برز سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، في دوره الثقافي الخاص المميز، الذي شكل رافعة قوية للنشاط الثقافي في الإمارات.

وقد بدأ هذا الدور بالقيادة الإبداعية، حيث برز سموه شاعراً من طراز رفيع، متفرد الصوت، وشكل طليعة في حركة الشعر النبطي في العالم العربي، وأحد أبرز قادته، واقتدى به وبقصيدته جمهور كبير من الشعراء الشباب، الذين مثلوا صوتاً جديداً أغنى المشهد الشعري، وأثرى الأغنية الخليجية، وأسهم في ترسيخ حضورها العربي.

ومن جانب آخر، فتح سموه أفقاً جديداً في المشهد الثقافي، مع مبادراته التي توالت، واعتنت ابتداءً بالشعر، بوصفها المفردات الإبداعية التأسيسية في المجتمع الإماراتي، وهدفت إلى حفظ مكانته ودوره الريادي في الحياة الثقافية، وكذلك تأمين الدعم والتشجيع للشعر والشعراء.

ولا يزال أثر هذه المبادرات باقياً، لا يمحى، كما أن حركة الشعر في المنطقة لا تزال تغتني بها، وبما أنجزته وحققته. ولعل جمهور الشعر لا ينسى إلى اليوم «ملتقى دبي للشعر الشعبي»، التظاهرة الشعرية الكبرى التي يعد الشعراء لها أفضل ما تجود به قريحتهم من قصائد وأشعار.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى «مبادرة حمدان للإبداع الأدبي»، التي تقوم على طباعة وإنتاج 100 ديوان شعري مقروء ومسموع لشعراء وشاعرات الخليج، في سعي حثيث من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، لإثراء ساحة الشعر بتجارب مميزة.

وقد قدمت هذه المبادرة فعلاً إضافة جليلة للمكتبة الشعرية الإماراتية والعربية أغنتها بنتاجات الخامات والتجارب الإبداعية النوعية، ووثقت جانباً مهماً من التراث الشعري، إلى جانب أنها جاءت داعمة لقطاع النشر في الدولة.

وقد نقلت مبادرات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، الأدب والشعر إلى مستوى الإفادة من منجزات العصر، بحيث يتم تقديمه بأساليب وأدوات جديدة مبتكرة، حيث وجه سموه بتخصيص برامج شعرية خارج الإطار التقليدي الذي عرفت به، بما يتواءم مع تغيرات العصر الحالي، وهو ما تجسد بوجه خلاق، في أحد سياقاته، ببرنامج «البيت» بالتعاون بين «دبي للإعلام» ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث.

لقد شكلت إبداعات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، في الشعر فرصاً استثنائية لأقطاب الأغنية العربية، لا سيما الخليجية، لتقديم ألحان جديدة مبتكرة، تعتمد على كلمات استثنائية في مبناها ومعناها؛ وبهذا تحول المنجز الشعري لسموه إلى واحدة من أقوى الروافع التي اعتمدت عليها الأغنية العربية في العقود الماضية، كما أدى دوراً مركزياً في تعزيز حضور الأغنية الخليجية.

ومنذ ظهور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم شاعراً باسم «فزاع»، وانتشار قصائده على رقعة جغرافية واسعة من العالم العربي، حرص أشهر نجوم الغناء في العالم العربي على أن تصدح حناجرهم بقصائد ممهورة بتوقيع سموه، وتصدى لتلحينها أشهر الملحنين.

وقد غنى من قصائد سموه فنان العرب محمد عبده، وقيصر الأغنية العربية كاظم الساهر، وميحد حمد، وخالد عبدالرحمن، ونبيل شعيل، وحسين الجسمي، وعيضة المنهالي، وأسماء المنور، وراشد الماجد، وأصالة، وعباس إبراهيم، وأريام، وبلقيس، وعبدالمجيد عبدالله، فقدم هؤلاء الفنانون، الذين تغنوا بعدد كبير من قصائد سموه، أفضل الأعمال في مسيرتهم الفنية. إن إسهام سموه المهم في تعزيز مضامين الأغنية العربية عموماً، وفتح مسارات جديدة أمامها، أغنى الثقافة العربية، وأعاد اتصالها بحياة الإنسان ومستقبله.

رؤية قيادية

لم يتوقف الدور القيادي لسموه في القطاع الثقافي عند المبادرات التي تعتني بالأدب والشعر والشعراء، بل شمل التراث وإحياءه، فكان مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث مساراً لخلق إطار فاعل خلاق عريض في المجتمع يعيد ربط الثقافة المعاصرة بمفردات الثقافة الأصيلة للمجتمع الإماراتي، وإدراج تراثه في قائمة التراث الإنساني، ووضعه في مكانه الذي يليق به.

ومن جانب آخر، اهتمت مبادرات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بالتصوير الضوئي، ليس فقط لأن هذا الفن هو جزء من شخصية سموه الإبداعية، بل لأن الصورة جزء من اللغات العالمية والمفردات الثقافية التي تصل للإنسان أينما كان، متغلبة على الحواجز اللغوية والثقافية.x وفي هذا السياق، أطلق سموه «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي»، التي تعد اليوم واحدة من أهم الجوائز في المجال بالعالم، وتمثل أكثرها رعاية للمواهب في هذا الميدان، دولياً.

لقد قدم سموه، مع مفاصل وجوانب مسيرته الإبداعية والقيادية، الكثير من الإسهامات، التي تَجسّد جزء أساسي منها بالهوية الإبداعية، التي يعبر عنها لقب «فزاع»؛ أي الإسهامات الإبداعية المباشرة، متمثلة بالشعر والتصوير، بينما تأتي إسهامات أخرى جليلة، منبثقة من مسؤوليات سموه الرسمية، وهذه الإسهامات تتمثل في الدعم الموصول للثقافة والإبداع والمبدعين، ورعاية استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي، وإطلاق المناطق والمساحات الإبداعية والتراثية وتأهيل المواقع التاريخية، وخلق مجمعات ووجهات متكاملة للمبدعين من كل أنحاء العالم، علاوة على رواد الأعمال والمستثمرين في مجال الصناعات الإبداعية، وذلك كجزء أصيل ومهم ضمن خطط التنوع الاقتصادي التي تنتهجها الإمارة لتأسيس ركائز اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار والإبداع.

إن مسيرة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، حافلة بالعطاء والريادة والتميز والإنجاز.

وبفضل توجيهات سموه ينظر قطاع الثقافة في دبي نحو الغد بعيون تستشرف المستقبل، ويحقق تقدماً مطرداً يكفل توسيع وإغناء أشكال مساهمة الاقتصاد الإبداعي في اقتصاد الإمارة، مجسداً بذلك أفضل القيم التي تعلمها في مدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الفكر والقيادة.

وفي الواقع، لقد شكّل التكليف الحكيم من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لسمو الشيخ حمدان بن محمد بتولي ولاية العهد في إمارة دبي (1 فبراير 2008) ركيزة في ترسيخ المسار التنموي البعيد المدى في القطاع الثقافي بدبي.

المصدر: البيان