خذي سيارة واصمتي

آراء

خاص لـ هات بوست: 

أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال أمام الناس للتعبير عن أنفسهم، على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم الثقافية، وأصبحت منبراً لتبادل الآراء والاستشارات في مواضيع متنوعة ابتداءً من الطبخ إلى شتى أنواع العلوم، وباعتقادي أن برامج الذكاء الاصطناعي اليوم لا يصعب عليها أبداً استنتاج إحصائيات كاملة عن أفراد أي مجتمع في أي موضوع بناءً على مراقبة تعليقاتهم وأسئلتهم.

فإذا أراد أحد ما أن يوجه برنامجاً ما لتتبع آراء “المسلمين” في موضوع تعدد الزوجات، سيصدم بالنتائج، أو أنها صادمة لمن يتناسى الواقع ويتخيل الحال أفضل رغم كل الدلائل التي تشير إلى مجتمعات أكلها الصدأ.

في إحدى الصفحات، طرح سؤال ربما يكون لمجرد جذب مشاهدات، من سيدة تقول أن زوجها عرض عليها سيارة ومبلغ مالي مقابل السماح له بالزواج من أخرى، وسؤالها هو هل توافق أم لا.

ليس العجب من كون الأجوبة تمحورت حول أن تكسب ما عرضه أفضل من لا شيء، إنما الشق الآخر الإضافي وخلاصته: “من أنت لتمنعي عنه شرع الله؟” علماً أن معظم المشاركات سيدات.

لا يملك المرء أمام هذه الصورة إلا أن يشكر الله على عزوف الرجال عن الزواج بأكثر من واحدة، بغض النظر عن الأسباب، مادية كانت أم نتيجة وعي، فالتعويل على اعتراض النساء غير ذي فائدة على ما يبدو، بل الأمر يشبه إلى حد كبير دفاع عبيد المنازل عن أسيادهم حتى لو عاشوا الذل والظلم، مقابل طعام مجاني، فيما ثار عبيد الحقول رفضاً للاضطهاد حتى لو جاعوا، رغم أن الصورة يجب أن تكون مختلفة، فالزواج شراكة بين اثنين يفترض أنهما ندين، لا سيد وعبد، إلا أن الثقافة الموروثة التي رسخت في العقل الجمعي “الإسلامي” جعلت من المرأة جارية، عليها انتظار مكرمات سيدها، فإن ساعدها ذكاؤها استطاعت الحصول على ما يتفضل به، وله أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع وعليها ألا تعترض على “شرع الله”، ولا تعتبر الموضوع انتقاصاً من كرامتها، والموضوع لا يتعلق فقط بالتعددية، إنما النظرة إلى المرأة والتعامل معها، فالأحاديث تأمرها بالطاعة، وهي “دون”، كالحمار والكلب الأسود تقطع الصلاة، والأنكى حين يسأل “المختصون” فيجدون تبريراً بأن وجه الشبه هو إلهاء الرجل عن صلاته كونها تفتنه، والحمار ينهق، والكلب يروع.

لكن ما تغفله “ثقافتنا” هو أن وضع المرأة في التنزيل الحكيم يختلف عما كرسته المرويات، وموضوع تعدد الزوجات شائك ومعقد، وله شروط تم تجاهلها، فبترت الآية من أولها وأسقط شرط وجود اليتامى المطلوب رعايتهن وإعالتهن مع أمهن {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (النساء 3) إضافة للتغاضي عن آية رئيسية وهي قوله تعالى {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (النساء 20) بمعنى ألا جمع بين زوجتين في الأحوال العادية وإنما استبدال، عدا عن تجاهل حق المرأة بطلب الطلاق {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة 229)، إضافة لإهمال نشوز الرجل {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء 128).

إنما ثمة أمر بالغ الأهمية يجب أخذه بعين الاعتبار، هو أنه ليس كل حلال مقبول، فالعبودية وفق الفقه الموروث حلال، مع أن الإسلام ألغاها وجفف منابعها، لكن القوانين منعتها، زواج الرضيعات أيضاً حلال في تلك الثقافة، علماً أن الزواج في كتاب الله يتطلب “الرشد”، لكن القوانين يمكنها أن تضع حداً أدنى لعمر الزواج، فالجهود الفردية لا تؤتي ثمارها إلا في نطاق ضيق، بينما يمكن للقانون أن يضع أسساً ترسخ في المجتمع، سيما إذا ترافقت مع العمل على صياغة عقل جمعي يحترم المرأة ويقدرها.

هنا تكمن المعضلة، إن لم تع المرأة حقوقها ومكانتها لن تجد من يمنحها ذلك على طبق من ذهب، إن لم تتعلم وتعمل لن تملك قرارها، لن تستطيع أن تخرج من كونها عبد منزل يمكن أن يجوع إن قطع سيده عنه الطعام، لن تستطيع أن تطالب بشروط في عقد الزواج، لن تستطيع تربية أبنائها على المساواة، وستشعر من ثم بالغنيمة حين تنال سيارة ومبلغ من المال مقابل أن يتزوج السيد من أخرى.

علينا كمسلمين أن نزيل ما لحق بالإسلام من تشويه، ولنعلم أن الزواج ميثاق غليظ أمام الله، قوامه المودة والرحمة، لا مقايضات ولا ابتزاز، إنما نفس تسكنوا إليها، وإن لم نعزز موقع النساء في مجتمعاتنا لن نلتحق بركب الحضارة، فأي مجتمع يقاس مدى تخلفه أو رقيه بوضع المرأة فيه، فإما أن يرتقي كله أو سيبقى متقهقراً.