عودة غازي القصيبي

آراء

رحم الله غازي القصيبي. لا يزال شاغل الدنيا حتى في غيابه. وهل مات من خلّف ثروة معرفية هائلة كتلك التي تركها لنا غازي في مؤلفاته وأشعاره و حكايات الناس معه؟

للتو أفرغ من قراءة كتابه «العودة سائحاً إلى كاليفورنيا». و بقدر ما ضحكت من روح السخرية العالية في الكتاب تعرفت أكثر على جوانب أخرى في الثقافة الأمريكية. و هي فكرة بارعة أن تكتب عن التجربة لاحقاً إن لم تسعفك الظروف للكتابة عنها في حينها.

ابتعثت السعودية و دول الخليج عشرات الآلاف من أبنائها للدراسة في أمريكا. كم منهم وثّق تجربة الحياة و الدراسة في أمريكا؟ أنا ممن ظل يؤجل مشروع الكتابة عن تجربة الدراسة في أمريكا كثيراً ، مرة بأعذار زحمة الأشغال و مرات بحسابات و مخاوف الرقابة التي تبدأ من داخل المرء ولا تنتهي عند مكتب الرقيب الرسمي. وهي كلها أعذار.

لكن غازي القصيبي، في كتابه عن عودته سائحاً لكاليفورنيا، يعلمنا درساً جديداً: ما زالت الفرصة سانحة للكتابة عن التجربة حتى وإن بعد حين. فماذا لو كرر بعضنا تجربة غازي القصيبي و عاد للأماكن القديمة، التي درس فيها أو زارها، و استعاد بعض ما يستحق التدوين من الذكريات و التجارب؟ ما يميز غازي القصيبي أنه يكتب عن التجربة بمعرفة و علم وسعة أفق.

فهل كل من درس و عاش في أمريكا قادر على رصد و فهم أبعاد مشهدها السياسي والثقافي و الإعلامي؟ غازي القصيبي كان يسافر بعقله لا بجسده فقط. ثمة فرق كبير بين من يسافر بعقل منفتح و مهيء لفهم التجربة و تحليلها و آخر يسافر بقناعات راسخة، أغلبها مبني على مفاهيم مغلوطة، فيصل للمكان المقصود باحثاً عما يؤكد و يرسخ قناعاته و مفاهيمه السابقة. وإننا أكثر المتضررين من غياب الدقة والفهم لثقافات وشعوب من مصلحتنا أننقرأها جيداً و نفهمها جيداً، من أمريكا إلى اليابان و من الهند إلى إيران!

 نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٥٩) صفحة (٢٣) بتاريخ (١٩-٠٨-٢٠١٢)