هيفاء صفوق
هيفاء صفوق
كاتبة واخصائيه اجتماعية

ما هو «المعنى» في حياتنا؟

آراء

يتجلى المعنى في الحياة في كل شيء، أبسطها إطعام طير، وزرع ابتسامة للغير. كل شيء له معنى ومغزى ورسالة وهدف، لم تكن الحياة يوماً فارغة أو عبثية، بل كانت منذ الأزل تزرع وتحصد، هي أقدار وأعمال وأفعال ونيات وعطاء، لكل جانب منها معنى، ومن لم يدرك المعنى الحقيقي للوجود تاه كثيراً، ومن لم يدرك المعنى من الحياة خسر من عمره الشيء الكثير.

هناك معان ظاهرة للعيان، مثلاً: يحصل عليها الإنسان سريعاً بعد شهر من الوظيفة يحصل على راتب في مقابل هذا العمل، وهناك من يقوم ببناء مبنى أو إقامة مشروع وسيحصل على المردود سريعاً أيضاً، وهناك من درس وتعلم وتخرج وسيحصد المردود لذلك.

لكن هل عرفنا واكتشفنا المعنى الحقيقي لكل ذلك؟

معظم الأفراد يمارسون حياتهم ويطلقون أهدافهم بصورة آلية كطبيعة بشرية تنقل نمطاً معيناً من مكان لآخر أو من ثقافة لأخرى، لكن هل كان واضح المعنى من كل ذلك؟

الحياة ليست عملاً وشهادات ومكانة اجتماعية، هناك «الروح»، لكل شيء له «روح» تحيا به، إن شعرنا بأن كل عمل وهدف له مغزى ومعنى حقيقي، ساعد الإنسان أن يعيش إنسانيته، استطاع أن يكون مليئاً جداً بتلك «الروح» الممتلئة بالحياة والمفعمة بقيمة الوجود الإنساني الحر، أي لا تقيده الأُطر والقيود التي وضعتها الحياة المادية والحياة الجامدة أو الحياة الآلية.

نلاحظ الأفراد يعانون من فراغ روحي داخلي، على رغم توافر كل معطيات الحياة «مما لذّا وطاب»، لكنه في قرارة نفسه غير مرتاح، يشعر بالخوف أو القلق، أو الطمع والجشع، أي لا يكتفي بما لديه من خير، أو منصب، أو مكانة، دائماً يطبق مقولة «هل من مزيد»، جميل أن يكون الفرد طموحاً ويعمل ويجتهد ويمتع نفسه بكل خيرات الأرض، لكن إذا لم يمتلك ذلك العمق في معرفة المعاني الجميلة والعميقة في كل فعل وعمل يفعله، فإنه لا قيمه لذلك، سيرجع للمربع الأول وهي «غربة الروح»، ومن يدرك هذا الشعور بالغربة يتعذب كثيراً ويشعر بوحوش الوحدة تقضم منه كل يوم قطعة حتى ينهار وينتهي نفسياً ومعنوياً، والحياة ليست بهذا الشكل أبداً.

عندما يدرك الإنسان المعنى الحقيقي من الوظيفة، مثلاً أنها ليست فقط مادية، بل لها معان كثيرة من ضمنها تحقيق وجوده الإنساني بأن يعمل بحب، والإيمان بالعطاء لنفسه ولعمله، وأن يدرك حقيقة ما يقوم به يتجاوز فقط الصورة الخارجية للوظيفة وهي الراتب، بل يذهب إلى قيمة العمل ومعرفة الهدف السامي للإنسان من هذا العمل، وقيمة احترامه لنفسه ولدوره في الحياة بأنه واحد من الآلاف الذين يسعون على هذه الأرض لعمارتها، ومساعدة كل من يحتاج من الأهل والأصدقاء والفقراء أيضاً، إذا هنا توسع الإدراك والفهم من الوظيفة، وعندما تتوسع تلك العقلية يبدأ المعنى أو المعاني العظيمة من الظهور، الظاهرة والباطنة، من ضمنها محبة الذات واحترامها وتقديرها ومساعدتها التي تدرك في ما بعد قيمة محبة الآخرين ومساعدتهم ومساندتهم، إذا وصلنا للهدف السامي من تعاون البشرية كلها مع بعض، وهذا يتم بالرجوع لكل ما قلت منذ البداية، أن ندرك المعنى والمعاني العظيمة في حياتنا وأعمالنا وأفعالنا ونياتنا الخالصة المفعمة بالحب والهدف، الهدف الروحي والمعنوي قبل المادي، فالحياة ليست مادة، وكلنا ندرك ذلك في عمر الوعي والنضج بحسب تجاربنا وخبراتنا، فلا يضيع الكثير من الوقت من دون إدراك المعاني العظيمة في كل شيء في حياتنا، من أصغرها لأكبرها.

المصدر: الحياة