مرحلة بايدن.. مصاعب وتحديات

آراء

وأخيراً، توج جوزيف بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وانتهى مهرجان الفرح، لتبدأ مرحلة مواجهة المشكلات المستعصية التي تعانيها البلاد، وهي كثيرة. وفي طريقه للبيت الأبيض، عقب تنصيبه مباشرة، غرد بايدن على توتير قائلاً: «لا يوجد وقت نضيعه عندما يتعلق الأمر بمواجهة الأزمات التي نواجهها».

بدأ الرئيس الجديد ولايته، في يومه الأول، بمحاولة إزالة إرث الرئيس السابق، حيث وقع على خمسة عشر أمراً رئاسياً، للتخلص من تبعات سياسات ترامب. والأهم بين هذه الأوامر إقرار سلسلة من الإجراءات لمواجهة فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 400 ألف أمريكي، تضمنت فرض ارتداء الأقنعة لمدة 100 يوم. كما تناولت هذه الأوامر قضايا استراتيجية مهمة، من ضمنها العودة لاتفاق باريس للتغيير المناخي، من أجل تقليص انبعاثات الكربون، وتحقيق المساواة بين الأمريكيين بمختلف أعراقهم، وإلغاء قرار ترامب بمنع المواطنين من بعض الدول الإسلامية من الدخول للولايات المتحدة. كما ألغى بايدن تمويل بناء الجدار على الحدود مع المكسيك.

استراتيجية بايدن، تهدف إلى إعادة حضور دور الولايات المتحدة العالمي، وبشكل خاص في القارة الأوروبية، واعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي، بإعادة الاعتبار للعولمة، ومنظمة التجارة الدولية التي انتكس دورها أثناء رئاسة ترامب. وذلك ما سيكون محور حديثنا هذا، لنناقش بقية المحاور في أحاديث أخرى قادمة.

هل ستتكفل سياسة بايدن الجديدة بحل المعضلات التي تواجه بلاده، وتعيد الاعتبار لحضورها الدولي؟

هذا السؤال يحمل معنى متضمناً يحمّل الرئيس السابق ترامب، مسؤولية مآلات تراجع موقع بلاده في السياسة الدولية، وبالتالي موقعها في صراع القوة، على المستوى الدولي. وهو قول لا تدعمه الوقائع.

فالتراجع الأمريكي في موازين القوة الدولية ليس من صنع ترامب، بل هو نتاج تراكمات، وصعود قوى وتكتلات دولية جديدة، بدأت بالإفصاح عن ذاتها، مع بداية هذا القرن، حيث أشار مفكرون أمريكيون، كهنري كيسنجر، وصامويل هانتجنتون، عن نهاية الأحادية القطبية، وبروز أقطاب دولية جديدة، تنافس أمريكا في موازين القوة الاقتصادية. بل إنه يحسب للرئيس ترامب أنه حاول الحد من الاندفاع الاقتصادي الصيني، وإن لم تنجح تلك المحاولات، في تحقيق أهدافها.

الواقع الراهن، ومنذ بداية هذا القرن، يشي بأن هناك خطاً بيانياً صاعداً للقوة الاقتصادية الصينية، يقابله خط بياني هابط لنظيرتها الأمريكية. وأن كل السياسات التي تبنتها الإدارات الأمريكية المختلفة، لم تستطع أن تلغي قانون الدورة التاريخية، التي تؤكد حضور المقولة الصوفية بأنه ليس بعد الاكتمال سوى النقصان.

وتواجه الإدارة الأمريكية الراهنة، مشاكل عويصة، لعل أهمها انقسام المجتمع الأمريكي، وهو تصدع لن يكون بالإمكان رتقه. فالعنصر الأبيض الذي هيمن على مقادير السلطة والثروة، أكثر من أربعة قرون، لن يقبل بسهولة التخلي عن مواقعه السياسية والاقتصادية لمصلحة أعراق أخرى. وربما يفسر لنا ذلك، كيف أن 75 مليون من الأمريكيين قد منحوا أصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لترامب، رغم فشله في معالجة الانهيارات التي تسببت بها جائحة «كورونا».

وإذا ما تمكن الرئيس بايدن من الحصول على موافقة الكونجرس ومجلس الشيوخ، لإعفاء 11 مليون مهاجر غير شرعي، ومنحهم الجنسية الأمريكية، فإن ذلك سيوسع بالتأكيد الفارق الديموغرافي بين البيض والمكونات العرقية الأخرى، ويضاعف من حدة الانقسام داخل المجتمع الأمريكي.

والمعضلة لا تختزل هنا، في صراع بين المكونات الاجتماعية الأمريكية، فحسب، بل هي أزمة سياسية وبنيوية، بكل المقاييس. إن الخلل الديموغرافي لمصلحة المكونات الاجتماعية، من غير الجنس الأبيض تعني تراجع نفوذ الحزب الجمهوري، وعدم قدرته على الحصول على الأغلبية من أصوات الناخبين للأبد. والأنكى بالنسبة إلى الجمهوريين، أن هذا الواقع يأخذ مكانه في ظل انقسام الجمهوريين، وتلويح الرئيس السابق بتأسيس حزب جديد، سيأخذ حصة كبيرة من نصيب الحزب الجمهوري، بما يجعل من الحزب الديمقراطي الحزب الأقوى، ومن غير منازع.

هذا الواقع السياسي الجديد، في الولايات المتحدة، يعني فيما يعنيه، أن النظام الديمقراطي الذي ينص عليه الدستور، حيث تداول السلطة، سيكون مغيباً إلى حين بروز حقائق أخرى.

في المقابل، هناك حزب قوي كما أشرنا، لكنه مترهل إلى حد كبير، حيث يضم في جنباته أقصى اليمين وأقصى اليسار، وهو تحالف هش، مهدد بالتفكك. وربما يكون تفككه هو المدخل لإنقاذ الديمقراطية، بنسختها الأمريكية، لكن ذلك لا يبدو متاحاً، في الأمد القريب. فمهرجان النصر، واحتكار الديمقراطيين للسلطتين التنفيذية والتشريعية، سيطيل أمد وحدة الحزب الديمقراطي، لكن إلى حين.

المصدر: الخليج