من سيشل.. درس في الوطنية!

آراء

في جزيرة صغيرة من جزر سيشل، في المحيط الهندي، رأيت رجلاً مسناً ينظف الشاطئ من النفايات. كان يوزع ابتساماته على الناس ويعمل بهمة واضحة. أخبرني أنه يتطوع من وقت لآخر لتنظيف الشواطئ وخدمة السائح. قال إن جزيرته تعتمد في اقتصادها على السياحة: الفنادق توظف أبناءنا وتتعاقد معنا لتوفير الأسماك وبعض الخدمات.

يقوم اقتصاد جزر سيشل على السياحة. يندر أن تحدث جريمة هناك. فسكان الجزر الذين يبلغ عددهم 78 ألف مواطن، نشأوا بوعي أن السياحة عمود حياتهم. الوطنية إن لم ترتبط بمصالح الإنسان اليومية تظل فكرة نبيلة قد لا تترجم إلى أفعال على الأرض. الإنسان بطبيعته حريص على مصالحه المباشرة. ولأن السياحة غدت حياة أبناء الجزر في سيشل فقد نذروا أوقاتهم لها. ولهذا فإنهم يتطوعون لتنظيف الشواطئ وخدمة السائح. إنهم يدركون أن كل زائر لجزرهم يسهم في دعم اقتصادهم. من المهم أن تدرك الناس في مجتمعاتنا أن الحراك الاقتصادي الكبير في أوطانهم ينعكس، بأشكال مباشرة وغير مباشرة، على واقعهم الاقتصادي. وإن لم يشعروا بفائدة تطالهم مباشرة فلن تجد منهم سوى الإهمال واللامبالاة.

ماذا تقول لك مظاهر بعض شبابنا حينما يخرجون في مناسبة رياضية أو وطنية لتكسير المحلات وتشويه الشوارع؟ صحيح أن ثمة عوامل كثيرة -يتداخل فيها التربوي مع الثقافي مع “حالة الإحباط” العامة- في خلق ظاهرة الفوضى التي يعبر عنها بعض شبابنا بالتكسير والعبث، وصحيح أن “من أمن العقوبة أساء الأدب” إلا أنني على يقين من أن الإنسان شديد الحرص على كل ما يرتبط بمصالحه المباشرة. وإلا ما الذي يدفع بمسن في جزيرة صغيرة من جزر سيشل للتطوع بتنظيف الشواطئ وتوزيع ابتساماته على زوار جزيرته من كل بقاع الدنيا؟

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق بتاريخ  4 يناير 2012