مصطفى النعمان
مصطفى النعمان
كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد

المجتمع الدولي لن ينقذ اليمن

الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠١٤

عندما أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي، في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي انتهاء لقاءات «مؤتمر الحوار الوطني الشامل» تعلقت آمال الكثيرين داخل اليمن، وكذا الدول المعنية باستقرار الأوضاع الداخلية فيه، حتى يتفرغ الجميع للحفاظ على ما تبقى من هياكل الدولة التي دمرتها سنوات الربيع، كما حدث في غير قطر عربي، لكن سرعان ما تبخرت الأوهام وعادت الحروب شبه اليومية إلى كل مناطق اليمن، بدءا من انعدام المشتقات النفطية على مدى أشهر، وانقطاعات الكهرباء لأيام، ومعارك في شمال العاصمة (الاتحادية) يثبت فيها الحوثيون خطوط إقليمهم كما يبتغون، بعيدا عما رسمه جمال بنعمر، وأقرته قسرا لجنة تنصلت بعض الأحزاب من توقيع ممثليها على وثيقتها، ثم معارك تجري في جنوب شرقي البلاد يسعى معها الجهاديون لبسط سيطرتهم بعيدا عن أعين الأجهزة المعنية.. وتجري كل هذه المعارك تحت الشعار الجميل الذي كان يزين جدران منتجع «الموفنبيك» الجميل؛ «اليمن الجديد». انفض سامر المنتجع، وبدأ السراب يتلاشى من أذهان اليمنيين، واليأس يملأ المواطن العادي، وتبدت الحقائق كما جسدتها معاناتهم اليومية، في وقت لم تكن الأحزاب اليمنية معنية بما يرغب فيه المواطنون، ولم تكُ يوما معبرة عن همومهم وتطلعاتهم، بل إن شغلها الشاغل لم يتعدَ الحفاظ على مواقعها التي انتزعتها بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، واعتبرت ما حصلت عليه استحقاقا لا يقبل المساومة ولا التنازل.. ومن…

التطرف من المشرق إلى المغرب

الأحد ١٧ أغسطس ٢٠١٤

لا شك أن المتابع لأحوال المنطقة العربية سيصاب بالهلع عند النظر إلى خط الرعب والإرهاب الذي يمتد من مشرق العالم العربي إلى مغربه، ولا بد أن صور الضحايا الذين يتساقطون في كل زاوية ستجعل مشاعر غموض المستقبل وقتامته تتراءى أمام عيون الجميع وهم عاجزون عن مواجهة هذا الكم المخيف من الرغبة في سفك الدماء واستلاب أرواح الناس تحت راية الإسلام التي يعبث بها الجهلة، ويصمت عن إدانتهم أساتذتهم وفقهاؤهم الذين زرعوا في جماجم الشباب أن الطريق إلى الجنة سينقطع عنهم ما لم يخضبوا أيديهم بالدماء الزكية ويثيروا الرعب في نفوس الناس. الأسئلة كثيرة لكن أكثرها إحباطا: ما الذي يدفع هؤلاء الشباب للالتحاق بصفوف الإرهابيين؟ من الذي فسر لهم نصوص القرآن وأحاديث سيد الخلق محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)؟ من الذي موّل ومن الذي برر ومن الذي مجّد هذه الأفعال الشيطانية؟ أليس من المخجل أن نتصور أننا أمة بلا خطايا وبلا مجرمين؟ هل يمكن أن نتصور بسذاجة أن الحل هو عقاب من يخرج عن طاعة ولي الأمر فتُسلب هويته وكأننا نمنح القداسة وكمال النزاهة إلى المواطنين الذين يرضى عنهم الحاكم، ومن اعترض أو اختلف أو خالف فمارق يستحق العقاب؟!.. هل نحن أمة لا تتعصب لرأي ولا تكفر مخالفا ولا تنبذ عاصيا؟.. أين منا صفات التسامح والترفع والابتعاد عن…

ماذا بعد الهدنة في غزة؟

الأحد ١٠ أغسطس ٢٠١٤

انتهت الحرب التي قررت إسرائيل بدايتها ونهايتها، وقتلت خلالها مئات الأطفال والنساء والشيوخ وقلة من المقاتلين، ودمرت المئات من الممتلكات الخاصة وقليلا من المباني العامة، وشردت الآلاف من منازلهم، وحرمتهم من القليل الذي كان لديهم لسد رمقهم، وأضافت أعدادا من الأطفال اليتامى سينضمون إلى قوائم منظمات غوث اللاجئين.. كل هذا كلام مكرر كُتب وسُمع من عشرات السنين، ولم يبقَ تعبير حزن وألم وشفقة ولعنة إلا واستُخدم حتى صار لا يعني أكثر من لحظة تمر على البال ثم يطويها النسيان، وينشغل العالم عموما، والعرب خصوصا، بقضايا دائما ما تزيح فلسطين من صدر قائمة الهموم والأحزان. في مطلع شهر أغسطس (آب) 1990 لاح لصدام حسين غزو دولة الكويت، وحينها تحركت الآلة الإعلامية الموالية له لتبرير فعلته والدفاع عن جريمته، وصار تحرير فلسطين متصدرا تفسيراتها للهدف الخفي غير المعلن لعملية ضم الكويت إلى العراق، وكم حذر العقلاء من الآثار المدمرة التي ستلحق بالعراقيين خصوصا، والعرب عموما، ولكن تلك الأصوات ذهبت أدراج الرياح، وارتفع إلى مقدمة الصفوف نفاق الشعراء والإعلاميين والفنانين الذين صارت قصور صدام وجهتهم وأموال العراقيين مبتغاهم.. وحين انقشع الغبار، وحصد العراق الدمار، وتشبثت أميركا بهدفها الحقيقي، تحول العراق إلى «أرض السواد»، كما وصفها الأديب الراحل الأستاذ عبد الرحمن منيف، ولم يكن رئيس العراق السابق إلا كحاطب ليل، يسير على غير هدى،…

إسرائيل لن توقف عدوانها!

الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠١٤

أعلم أن تناول موضوع، يمثل جزءا من حياة المواطن العربي ومشاعره منذ أكثر من 65 عاما، أمر شائك وصعب، ولكن مهمة الكاتب هي محاولة تناول القضايا – من وجهة نظره الشخصية – بعيدا ما أمكن عن العواطف، وأن يطرح ما يراه وسيلة أنجع لتفادي المصير الأسوأ، فإن أصاب فقد نال أجرين وإن أخطأ فله حتما أجر، وفي الحالين هو اجتهاد لا يفرضه ولا يحدد به سياسات أحد وليس ملزما لغيره، وهو في أحسن الأحوال سباحة ضد التيار تعرض الكاتب إلى كل مفردات القاموس العربي من التخوين وصولا إلى استباحة الدم. منذ أكثر من شهر لم تتوقف آلة الدمار والتقتيل الإسرائيلية عن ضرب كل موقع داخل غزة، زعمت وجود صواريخ أو مقاتلين فيه، ولكن النتيجة لم تكن سوى قتل أطفال رضع وشيوخ ونساء ومدنيين وتدمير منشآت تعود ملكية أغلبها لمواطنين مقهورين أصلا منذ الإعلان الشهير عن «تحرير غزة»، والذي بشر مطلقوه بتحويلها إلى فردوس فلسطيني وصرخوا بالشعارات المستهلكة وانشغلوا بحجاب المرأة قبل توفير لقمة العيش وإغلاق المقاهي قبل حماية الحريات وصيانتها. أدرك أن شعارات «لا صوت يعلو على صوت المعركة» و«يا قدس قادمون»، ما زالت تدغدغ الكثيرين ممن يقدمون العاطفة على العقل، ويفضلون الغيبيات على المرئيات، ويرفضون التعامل مع الواقع، ويهربون إلى أوهام غرستها سياسات من قفزوا إلى السلطة بغتة، وتشبثوا…

العبث الإعلامي والدعوة إلى المصالحة الوطنية

الأحد ٢٧ يوليو ٢٠١٤

تميز حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح بظاهرة استنساخ الأحزاب وعرفت بـ(تفريخ الأحزاب)، وإحداث انشقاقات داخلها، والعمل على إضعافها. ونجح في هذه المهمة المستهجنة سياسيا مع الأحزاب التي تعتمد على الدعم المادي الخارجي مثل الناصريين والبعثيين، لكن استعصى الإسلاميون والاشتراكيون عليه، وإن كان قد نجح في استقطاب عدد من أعضائهم بالإغداق عليهم ماليا ومنحهم مواقع في أعلى السلم الحزبي في حزبه الحاكم حينها (المؤتمر الشعبي العام)، وصار هؤلاء أصحاب صولة وجولة وكلمة الفصل في أروقة الحزب، الذي التحقوا به هربا من شظف العيش ولمنحهم الأمان حينها... كان هدف الرئيس السابق هو أن يفقد المواطن الشعور بأهمية الأحزاب كمنظمات سياسية قادرة على الوصول إلى السلطة بطريقة مشروعة، وزاد أنه كان يتحكم في صناديق الاقتراع ويسمح لهذه الأحزاب بمقاعد محدودة لإعطاء الانطباع بأن مجلس النواب يضم في جنباته ألوانا سياسية مختلفة حتى وإن كانت باهتة وفاقدة المصداقية لدى العامة. سوق ما بعد الربيع شهدت عملية مشابهة تجسدت بتكاثر مفزع للمواقع الإعلامية الإلكترونية وصحف لا يقرأها إلا الذين تخصصوا في وضع متاعهم في أسواق المزاد الإعلامي وصارت ميدانا لنشر الشائعات والسباب وتناول أعراض الناس، وكيل المديح لممولها ونشر قصائد الزور ومقالات الإعجاب به، وقد زاد هذا العبث من ارتباك العامة الذين تشوشت الصورة أمامهم، وصار البحث عن الحقيقة أشبه بمن يبحث عن…

ما بعد عمران!

الأحد ٢٠ يوليو ٢٠١٤

تتلازم الأحداث الحالية باليمن في مرحلة ما بعد الربيع بغياب واضح وأداء فاضح لعمل الحكومة الحالية، ولا يحتاج ذلك إلى براهين أكثر من الاستماع لصراخ الأحزاب المشاركة في تركيبتها العجيبة وكذا إلى شكوى المواطنين وأنينهم ومعاناتهم من الظلام الدامس وانقطاع لكل المشتقات النفطية لأشهر كانت كفيلة بسقوط أي حكومة في بلد يكون للمواطنين فيه قيمة واعتبار، ولا يمكن قبول الاكتفاء بمبررات إلقاء الاتهامات على نظام سابق لأن معظم القائمين على الأمور اليوم كانوا عماده ومسوقيه، ولم يعد مقنعا لأحد إطلاق الاتهامات منذ ثلاث سنوات دون تقديم دليل واحد أو محاكمة قاطع طريق أو مخرب لمنشآت الدولة، وهذا يعيد إلى الذاكرة نفس القاموس القديم الذي كان يستخدمه «النظام السابق» لتهديد معارضيه وترهيبهم، ويبدو أن الإعلام اليوم لم يعد قادرا على ابتكار مفردات جديدة ولا روايات مختلفة عن سابقاتها عدا الحديث الممل عن ضرورة تطبيق مخرجات الحوار وكأن المواطنين هم من يعرقلونها لا الذين بيدهم الأمر والمال. نفس الاستنتاج يمكن متابعته في الطريقة التي أديرت بها المعركة الأخيرة التي سمحت بسقوط مدينة عمران بأيدي أنصار الله، والتي تابعنا جميعا خلالها صمتا مريبا أثار سيلا من التساؤلات حول المدى الذي وصلت إليه هيكلة القوات المسلحة وعقيدتها وانتماؤها، كما يحق لنا التساؤل عن دور حكومة الوفاق الوطني في كل ما جرى ويجري حتى لا…

سقوط عمران!

الأحد ١٣ يوليو ٢٠١٤

لم تعد مشاهد القتل والتدمير والتهجير والرعب التي تمتد ساحاتها من ليبيا إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان، تثير مشاعر حنق أو غضب لدى أغلب الناس، حاكمين ومحكومين، وصار تكرار الاستماع إلى تفاصيلها ومتابعة أحداثها مصدر قرف للبعض، ولا مبالاة لبعض آخر، وتصفية حسابات وثارات واستخفاف وشماتة لدى الكثيرين، فقد تولدت منذ سنوات كثيرة حالة من ادعاء التفاؤل وإحالة كل سوء إلى الماضي والأقدار والظروف، وفي ذلك استبعاد للمسؤولية الفردية التي جعل الرسول الكريم أدناها درجة عدم البوح بالغضب وإبقاء الأمر طي الكتمان (فبقلبك وذلك أضعف الإيمان)، ولكن حتى هذه من الواضح أن كثيرين لم يعودوا يتمسكون بها. مئات يقتلون ودور عبادة تدمر وتنتهك حرماتها ونساء وأطفال وشيوخ يفرون ويشردون من قراهم إلى المجهول، وفي لحظة نقيضة نستمع إلى كلمات تلقى في حضرة هذا أو ذاك وشعارات خادعة ترتفع زيفا على ألسنة من صورت لهم وسائل الإعلام أنهم أضحوا يقودون الجماهير وهم في واقع الأمر لا يشكلون قيمة معنوية في نفوس ومخيلات الناس. أيكون مستغربا بعد هذا أن يلتهي العالم عنا وعما يجري في هذه البقاع إلا من باب الشفقة والرحمة؟ وكم هو محزن ومؤلم تناثر الجثث في غير مدينة عربية تسيطر عليها قوى غير شرعية لا تلتزم بدستور ولا قانون ولا أعراف ولا تعهدات، وتكتفي الوسائط الرسمية بالصمت المطبق موكلة…

التعليم هو المخرج الآمن لمآسي العرب

الأحد ٢٩ يونيو ٢٠١٤

تثير الأوضاع التي يشهدها العراق رعبا حقيقيا لدى الكثير ممن يدركون تبعات التطورات الدراماتيكية التي حدثت خلال الأسابيع الماضية، وصار من الواضح أن ما يحدث ستكون آثاره مدمرة على البنى الاجتماعية والجيوسياسية ليس في العراق فحسب، ولكنها ستمتد حتما إلى أرجاء كثيرة من دول المنطقة ولعل أهمها على الإطلاق هو سقوط النظرية التي كانت ترددها أجهزة الإعلام عن صلابة المجتمعات العربية وانسجام مكوناتها ومناعتها ضد التفكك والتطرف والتشرذم. عندما أطلق العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين تحذيره عن تشكل الهلال الشيعي فإنه لم يكن يتحدث عن فرز مذهبي داخل المجتمعات التي عاشت فيها الطوائف قرونا طويلة في أمان وانسجام ولكنه كان مدركا للفرز السياسي على أساس مذهبي يتجاوز الحدود الجغرافية لأقطار متجاورة، وهو ما نرى أنه أول عواقب الكارثتين السورية والعراقية، وأصبح جليا ترابط ما يحدث في عاصمتي العباسيين والأمويين ولم يعد ممكنا الحديث عن قطر واحد ولا أمة واحدة ولا رسالة خالدة فقد صارت كلها شعارات من الماضي لا محل لها في ذهن أحد في العاصمتين. المثير في الأمر أن كلا من الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي انطلقا في معالجتهما لحالة الحنق الاجتماعي الناتج عن التهميش والازدراء المصاحبين لأي نظام قمعي، مستخدمين المزيد من القسوة والتعامل الفظ وغير الحكيم مما أدى إلى تجمع تكتلات متناقضة…

خطأ أوباما أم خطيئة العرب؟

الأحد ٢٢ يونيو ٢٠١٤

امتلأت شاشات التلفزة على امتداد الأرض بمشاهد عن سقوط مدينة الموصل وما تبعها من انهيار مفاجئ وغير مفهوم – للعامة على الأقل – لقوات الجيش العراقي، ثم سمعنا عن كميات الأسلحة التي استولى عليها أفراد (الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش)، ومئات الملايين من الدولارات التي نهبوها من بنوك ثاني أكبر مدن العراق وأعمال الترويع والإذلال التي مارسوها. وفي المقابل يدور جدل في أوساط يشارك فيه الكل عن الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا التحول السريع في موازين القوى على الأرض، ويلقي كل فريق الاتهام إلى الخصوم وتكثر التحليلات وتتزايد أعداد الباحثين عن تصيد الحدث لتحويل الأنظار إلى جهات لا ينتمون إلى تياراتها الفكرية والسياسية والمذهبية. الشخص الوحيد الذي يتفق الجميع على توجيه أصابع الاتهام إليه وإلقاء المسؤولية على عاتقه هو رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي الذي يدرك الجميع أن محركه المذهبي كان العامل الحاسم في انهيار الأوضاع الأمنية وتزايد القطيعة بين أبناء العراق وارتفاع النبرة المذهبية وتعميق جروحاتها واستجرار مآسيها، وتحول في خطابه من رجل دولة معني بأمر العراقيين إلى ما يشبه زعيم طائفة يسعى إلى تثبيت حكمه عبرها وعبر نفي الآخرين وتقزيمهم، وأعاد إلى الذاكرة ما فعله حكام صربيا بمسلميها والمجازر التي ارتكبوها بحقهم والتنكيل الذي تعرضوا له. في خضم ما يجري في العراق وسقوط الكثير من…

الشأن العام بين المسؤولية القانونية والمسؤولية الأخلاقية

الأحد ١٥ يونيو ٢٠١٤

طالعتنا الأخبار خلال الأشهر الماضية بأن عددا من كبار المسؤولين في أقطار آسيوية لم يترددوا عن تقديم استقالاتهم لإخفاقهم في القيام بواجباتهم الأخلاقية تجاه عدد من الكوارث الطبيعية أو الناجمة عن أخطاء بشرية لا ترتبط بتقصير منهم أو إغفال رقابة مباشرة، كما سمعنا عن اعتذارات قدمها مسؤولون عن معاناة أو إخلال عن تأدية الواجب المناط ليس بهم فحسب، وإنما بموظفيهم، كذلك قرأنا عن مسؤولين تحملوا أخطاء كانت حادثة في المؤسسات التي يديرونها قبل توليهم، ولكنهم أخفقوا عن معالجتها، وأخيرا شاهدنا رؤساء شركات كبرى يعتذرون عن إخفاقات أسلافهم ويتحملون معهم مسؤوليتها. المقارنة بين ما يحدث في تلك الأقطار وما يجري عندنا تثير كثيرا من الأسئلة عن أسباب ظاهرة السلبية التي تسري في مؤسساتنا والتهرب من تحمل تبعات الأخطاء، والمثير للشفقة هو أن توجيه أي مواطن لأصابع الاتهام والعتاب الرقيق إلى المسؤولين الذين يقصرون، يقابله سيل من المتزلفين والمنافقين المتبرعين يتولون الدفاع عن الأوضاع الراهنة ويعمدون إلى إحالة الأمر إلى عهود سابقة وكأن هذا كافٍ للجم المواطنين عن المطالبة بحقوقهم الأساسية، وتجدهم يزعقون في وجه أي منتقد أو معترض عن اختلال الأحوال باعتبار منتقدي السوء الحاصل ما هم إلا مدافعون عن نظام سابق، وأنهم أعداء للوطن، رغم أن كثيرا من هؤلاء المنافقين كانوا في مقدمة مادحيه والساعين للحصول على رضاه وهم يعمدون…

اليمن: حرب عمران وآثارها!

الأحد ٠٨ يونيو ٢٠١٤

من الواضح أن قدر اليمنيين هو العيش في ظل حروب عبثية داخلية وقودها الأبرياء، وحصيلتها مزيد من الدمار لما تبقى من تماسك النسيج الاجتماعي في مختلف المناطق اليمنية، الذي تمزقت عراه حين تخلت مؤسسات الدولة عن مهامها وانشغل القائمون عليها بمصالحهم الخاصة وابتعدوا عن مصالح المواطنين ومعيشتهم، وهكذا أضحت الساحة مرتعا للفئات التي تمتلك السلاح والمال، وتراجع دور الأحزاب السياسية المتهالكة أصلا واختفت مؤسسات المجتمع المدني، وصار الخطاب فئويا ومذهبيا ومناطقيا بامتياز، واحتكر المشهد (سيد) هنا و(فقيه وشيخ) هناك، وضاع بينهما الوطن. تحولت محافظة عمران، شمال العاصمة صنعاء إلى ساحة حرب حقيقية وسالت دماء اليمنيين على أرضها ظلما وعدوانا ولأهداف غير وطنية على الإطلاق من كل الأطراف، وكان محزنا أن يقول (السيد) عبد الملك الحوثي إن أسرى يمنيين موجودون في سجونه، وزاد أنه سيتفضل بإطلاقهم (معززين مكرمين) وأنهم (كانوا ضيوفا عنده). ولا بد أن الغرور والغياب عن منطق العصر ونواميسه ومتغيراته تثبت أنه غير مدرك لفداحة ما يرتكبه في حق إخوان له في الوطن، بغض النظر عن اختلافه معهم وكانت الكلمة التي ألقاها الثلاثاء الماضي ممتلئة بمفردات نفي الآخرين وتسفيههم وتكفيرهم في استعراض فاضح لانتفاخ الذات، ولم يبق فيها أحد في منأى عن النقد والتجريح والاتهام، ووضع نفسه في موضع لا يخطئ صاحبه ولا يصيبه العوار، وكان الكاتب سامي غالب…

بعيدا عن السياسة: نهائي كأس أوروبا!

الأحد ٠١ يونيو ٢٠١٤

رأيت أن أتناول هذا الأسبوع موضوعا بعيدا عن أجواء السياسة العربية التي ربما صار الحديث فيها تكرارا مملا للكاتب والقارئ في آن، فقد استمتعت مع عشرات إن لم يكُ مئات الملايين بمباراة نهائي كأس أوروبا بين فريقي ريال مدريد وأتليتكو مدريد، وكانت درسا راقيا في فنون اللعبة وتكتيكاتها، ولكن ما أثار في نفسي الرغبة في الحديث عنها هو ما حدث بعدها لا أثناءها، فما دار خلالها ليس ميدانيا وله فرسانه من المتخصصين. عندما أوشك حكم المباراة على إعلان نهاية المباراة تمكن النادي الملكي من انتزاع تعادل صعب ثم تحقيق نصر كبير على منافسه، وقد يكون مستحقا فنيا وإن كان قاسيا على الصعيد الإنساني لكنه يثبت حقيقة الخيط الرفيع بين اليأس والرجاء.. ولن أدخل في التفاصيل الفنية وإن كنت منحازا في تفضيل أحد الفريقين. رأينا المشهد الجميل الذي تندر مشاهدته في ملاعبنا، فعند نهاية المباراة قام اللاعبون بالبحث عن لاعبي الفريق الخصم ليتبادلوا معهم العناق والتحية والتهنئة والمواساة!، ولم نشهد اشتباكات ولا محاولات للانقضاض على الحكم، حتى إن المشهد الشاذ الوحيد الذي رأيناه كان رد الفعل العصبي الذي انتاب المدير الفني لفريق أتليتكو نتيجة تصرف طفولي من أحد لاعبي النادي الملكي، لكنه انتهى في لحظات ولم ينعكس على بقية اللاعبين ولا شارك أحد منهم في المناوشة القصيرة وما تربص أحدهم بالآخر…