عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

تغيرت الوجوه فهل تتغير العقول؟

آراء

يروي الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في مذكراته: «قال لي خامنئي إن مبعوث القذافي جاء لزيارته في طهران، وقدم اقتراحا من القذافي يقتضي أن توقف إيران (الحرب مع صدام) العراق، وتهاجم بعد ذلك السعودية.. ولكن رفضنا هذا الطلب». هذا ما عالجه الزميل الأستاذ عادل الطريفي في مقاله أمس متحدثا عن أمن الخليج.

روايات رفسنجاني تعبر عن أزمة القيادة في المنطقة فكرا وعملا.. عندما تجتمع على كأس شاي تتحدث في كيف تدمر ناقلات نفط الكويت، أو تفتح جبهة حرب مع السعودية، أو تخرب موسم الحج.. وإسقاط طائرات. دول تدار بزعماء طموحاتهم ليست بناء مدارس أو مصانع؛ بل تخريب مصانع غيرهم. ومن زار ليبيا، خلال وبعد سقوط معمر القذافي، صدم من حجم التخلف الذي عاشته هذه الدولة الغنية بمواردها النفطية. والذي يزور طهران يرى بأم عينيه كيف تحولت عاصمة الشرق الأوسط الأولى في زمن الشاه إلى أطلال مدينة تكتظ بالمعدمين الذين فرضت عليهم الدولة الجوع في سبيل إنجاز مشروعها العسكري. صدام والقذافي والأسد وخامنئي بددوا مقدرات بلدانهم على مفهوم أن الدولة القوية هي الدولة الناجحة، غير مدركين أن الدولة الناجحة تصبح لاحقا دولة قوية.

ولأن منطقتنا في حال انتقال حتى قبل ثورة تونس، فإنه من المبكر أن نقول في أي اتجاه تسير، هل تتغير الوجوه؟ أم العقول أيضا؟ تبدو التغييرات مهمة وإيجابية بكل تأكيد، فمحور الشر في إقليم الشرق الأوسط، ذو الأقدام الأربع، فقد قدمين مهمتين؛ صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، ويوشك أن يخسر القدم الثالثة وهي بشار الأسد في سوريا.. رغم هذه الخسائر، أو لنقل المكاسب الكبيرة، فإن إيران تبقى هي «محور الأزمات»، والخشية أن إيران، التي تشعر بهبوب رياح التغيير تحيط بها من كل مكان، ستسعى لإنتاج تحالفات بديلة لتعيث من خلالها خرابا في المنطقة كما كانت تفعل.

والتغيير ليس حكرا على منطقتنا، بل بدأ متأخرا كثيرا عن العالم الذي شهد منذ عقدين تحولات كبيرة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.. انهارت أنظمة سيئة مثل ألمانيا الشرقية، ودول المعسكر الأوروبي الشرقي، واستقرت أوضاع معظم دول أميركا اللاتينية، وصارت فيتنام قبلة للسياح الأميركيين، وشاخ نظام كاسترو في كوبا. فعليا، لم يبق في العالم من الأشرار الخطرين سوى كوريا الشمالية وإيران.

ويخطئ الذين يتصورون أن نظام الملالي في طهران ضعف بسبب ما طاله من عقوبات وحصار، بل هو قادر على البقاء والإيذاء لسنوات مقبلة، ومن المتوقع أن يحاول إعادة إنتاج أنظمة شبيهة بالأسد والقذافي، لأنه من دونها سيصبح محاصرا.

إيران خامنئي ونجاد أكثر خطرا وشراسة من إيران الخميني ورفسنجاني.. فهي تتحول إلى نظام هجين خطير، عسكري ديني! الحرس الثوري يستولي على الدولة مؤسسة مؤسسة، وتمكن أخيرا من الاستيلاء على جهاز الاستخبارات المنافس له بعد تعيين أحد جنرالاته رئيسا له الذي، بدوره، نقل معه عددا من كبار قيادات الحرس الثوري لإدارة هذا الجهاز الخطير، إضافة إلى أن الحرس الثوري استولى في سنوات حكم نجاد على معظم مؤسسات الاقتصاد المهمة مثل البترول ومصافيه، وصار يهيمن على قرارات وزارة الخارجية. هذه صورة إيران المعاكسة لما يحدث في العالم العربي.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط