عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

حب مدفوع الثمن

آراء

إذا كنت تعتقد أن الحب عالم من الورود والأحلام والشعر، فاعلم أنك لست مخطئاً لكنك بحاجة لأن تراجع قناعاتك جيداً، فللحب وجه آخر، وجه قد يكون على النقيض تماماً، هذا الوجه الذي لا يريد الكثيرون الاعتراف به، أو التعرف عليه ولو من باب الاحتياط والحذر على الأقل، وهو الوجه الذي يفاجئ أو يتفاجأ منه بعضنا حين يسمع قصة نصب واحتيال وغدر واستغلال تحت مظلة الحب وكأنه لم يكن يتوقعها فيظل غارقاً في تساؤل عبثي: أين الخلل في القصة؟ هل هي في الحب أم في العشاق؟ متناسين دورة الطبيعة الخالدة وأنه لا شيء في هذه الحياة مكتملاً إلى الأبد أو كاملاً بذاته إلا الله، فحتى القمر إذا بلغ تمامه واكتمل وصار رمزاً للبهاء والكمال سرعان ما يتناقص في اليوم التالي من الشهر!

لا علاقة للحب كمفهوم أو كمعنى مجرد بتجربة الناس وما يخرجون به من استنتاجات، فالحب عاطفة أولاً ونمط حياة وسلوكيات متداخلة بين شخصين أو أكثر بحاجة إلى ذكاء، وفطنة وعقل وتجربة، الأمر لا علاقة له بتفاؤل وتشاؤم من يكتبون عن الحب وينسجون حوله الحكايات، ليس هؤلاء من يقول إن للحب وجهاً جميلاً ووردياً وشاعرياً أو وجهاً أسود، إنها قصص الحياة العملية والواقعية التي نعيشها ويعيشها أصدقاؤنا وكل من يحيط بنا، الحياة مليئة بالخير بنفس المقدار الذي تمتلئ به بالشر، وهي لا تخلو من الطيبين والأبرياء الذين لفرط براءتهم يخامرك الشك بوجود أجنحة خلف ظهورهم، لكن إلى جانب هؤلاء يمشي أشخاص بكامل أناقتهم وجمالهم يرتدون العطر بدل أن يرشوه على ثيابهم، مع ذلك لا تشك لحظة في دناءة نواياهم وقلوبهم، أليس هذا ما نعيشه كل يوم ونظل نكتشفه كل يوم!

أن يحب رجلاً فتاة لسنوات ثم في لحظة قدر تتكشف له الحقائق فإذا بها لم تحبه يوماً وأنها طيلة الوقت كانت لا ترى منه سوى محفظة نقوده وأنها كانت تستغله لتعيش الحب مع شخص آخر، إن هذا لا يدل على ذكاء الفتاة ولكن على غباء الرجل ربما أو قلة تجربته، وأن يحب الرجل أبناءه إلى درجة أن يقتلهم ليخلصهم من جحيم الواقع فهذا ليس حباً ولا حرصاً ولكنه شذوذ عقلي بامتياز، وأن يعاشر الرجل جثة فهذا ليس حباً ولكنه مرض وسقم روحي، وأن تستعذب الفتاة حب رجل يحبها لتنفق عليه دون أن تطرح على نفسها سؤالاً واحداً عن دلالات وماهية هذا الحب الذي يحدثها عنه ليل نهار بينما هي تدفع الثمن أضعافاً مضاعفة من جيبها وسنوات عمرها..

نحن نتلقى تربية أسرية ومدرسية لا تعيننا على معرفة الجنس الآخر بشكل حقيقي، ولا تسمح لنا بالحديث في هذا النوع من العلاقات باعتبارها محرمات تربوية لا يصح فتحها أمام الأولاد والبنات الصغيرات، بينما يتابع هؤلاء الصغار آلاف الأغاني والأفلام التي تزيف الوعي والحياة والعاطفة والجنس الآخر، يقال لهم في الإعلام إن كل الناس طيبون ونزيهون وجيدون و… لذلك يصدقون كل ما يسر في آذانهم من معلقات الحب والغرام وطلبات المساعدة.. دون أن ينتبهوا إلى أنهم في الحقيقة يعيشون في أحيان كثيرة حباً مدفوع الثمن!

المصدر: البيان