مجتمع الثقافة وطن التسامح

آراء

أن تكون مثقفاً، تصبح كطائر نورس، يفرش أجنحة البياض، محلقاً بحرية، محدقاً في فضاءاته بلا قيود ولا عنجهية.. الثقافة هي إكسير حياة، وهي ديدن حب، وهي قاموس حلم، وناموس علم، وهي التي تضع الكلمات عند مشارف الشفاه، من دون تأتأة ولا لجلجة.

أن تكون مثقفاً، فإنك تجلي الرواسب من العقل، وتزيح عن قلبك أثقالاً وأحمالاً، ويصير العالم في عينيك قلادة، والمحيطات سجادة، من مخمل التعارف والتكاتف، وعندما يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أنه لا يمكن تكوين أسر متماسكة وهوية راسخة بلا ثقافة وقراءة فإن سموه يكرس واقع الأحلام الزاهية، والأيام الواعية، والأقلام الراعية بشؤون الإنسان وأشجانه وألحانه وألوانه وأفنانه. هكذا تصبح القراءة، نحتاً في جدار الجهل، من أجل الصقل ومن أجل إثارة العقل، ومن أجل تخصيب السهل، ومن أجل الارتواء والنهل، ومن أجل إقامة معرفة متماسكة البنيان، واضحة البيان، مستقيمة البنان.

مجتمع الثقافة، وطن يغرس أشجاره، في ترب التسامح والتصالح من دون ضغائن وشواحن، وطن يلون عيون أبنائه ببريق النجوم، ونث الغيوم، ويرخي شرشف الحرير على مشاعر من جعلته الثقافة كائناً استثنائياً.

ما يحصل اليوم في العالم العربي، من خراب وعذاب ويباب واضطراب واحتراب، هو نتيجة مباشرة لسوء القراءة، وهو محصلة لوجدان بشري تراكمت في داخله قمامة الجهل، والسطحية، فالثقافة الحقيقية، مصل مضاد لضيق الأفق، والأحزان التاريخية الوهمية، والخطابات المرتبكة، والمساعي المريضة.

الثقافة وحدها التي تهدر كالموجة في وجه السواحل الملوثة، فتزيح عن الكواهل العواتي، وسوء الانتماء، الثقافة منطقة البياض في النفس وجوهر الانتماء إلى الإنسانية من دون تمييز أو تحيز، الثقافة سمة الأرواح الملونة، بلون الهوية، هوية الوطن الواحد، والمسعى الواحد، وهي القلم الذي ينحت سطوره على صفحات القلب، ليصير كتاباً مشروحاً، لا فيه غم ولا فيه هم، بل منزل الطمأنينة والسكينة، والاستقرار وثبات المواقف، وصدق النوايا. الثقافة الطريق إلى جنة الحب الوارف بمعاني الألفة، والثقة بالنفس، فلا يحصل الاغتراب، ولا يحصل الاستلاب إلا عندما تغادر الطيور سرب الانتماء إلى الوطن الواحد، المسكوب في الأرواح شهداً كونياً. مجتمع الثقافة، خيط يربط حبات المسبحة الواحدة، يجعلها جرز الأنامل، مرصعات لامعات، ساطعات، يافعات، سابحات في الكفوف كأنها حبات البَرَدْ. مجتمع الثقافة كائن أسطوري، ينمو بين الضلوع، كعين امرأة اشتاقت لها الصحراء فاختارت القلب موئلاً، والروح موطن الأسئلة.

المصدر: الإتحاد