هوامش على متن اليمن والعروبة

آراء

هناك مسلمات وبدهيات عقلية نستطيع من خلالها الحديث حول مكان النقط على الحروف كي نتمكن من قراءة واقعنا أولاً ثم الواقع اليمني بالشكل الصحيح، وعبر هذه النقاط نستمد الرؤية بشكل أوسع لما هو أبعد من اليمن في واقعنا العربي، الذي نريد التأثير فيه وفق معطيات عروبتنا وديننا.
المسلمة الأولى: أننا دولة ذات عمق عروبي يتجاوز تاريخ الفتوحات الإسلامية، وعبر هذه البدهية نلاحظ أن موقعنا هذا في جزيرة العرب منذ إرم ذات العماد، هو الذي أهلنا لكثير من الفاعلية في الأوساط العربية، مسيحية ومسلمة.
المسلمة الثانية: أننا دولة ذات عمق ديني يتجاوز دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – والسبب عائد لخدمة الحرمين الشريفين، فالكعبة كانت مطافا للإبراهيميين من الساميين، ثم كانت علاقتهم بها أوثق بعد أن أنار الله طريقتهم بإمام الهدى محمد بن عبدالله – صلى الله عليه وسلم -، فكان للعرب شرف اللغة بكتاب الله، وشرف الرسالة بالنبي العدناني.
المسلمة الثالثة: أن الحوثيين شيعة قبل أن يولد الخميني وقبل أن تتجمهر إيران بالإسلام، وأن النسيج الاجتماعي اليمني متداخل بشكل يتجاوز التجاذبات الثنائية البسيطة – والساذجة أحيانا – التي تريد فرضها بعض القوى خارج اليمن أو داخله، إلى درجة تنسينا أن آباء الحوثيين هم حلفاء المملكة في ستينات القرن الماضي عندما دعمت الإمامية فهل من مدكر؟!
المسلمة الرابعة: أن شيطنة التشيع بالعموم سلوك دهمائي، لا منهج سياسي، فالوطن العربي مليء بالشيعة، واستجابة أي نظام لشيطنة أي مكون من مكوناته جهل خطير بألف باء بنود (حق تقرير المصير)، الذي يراه كل عاقل ماثلاً في السودان وقد أصبح سودانين، ولهذا فأي سلطة تتناغم بالإيجاب مع شيطنة أي مكون من مكونات بلدها الأصلية، فهي كمن يشق ثوبه ويحثو الرمل على رأسه، فالخصم إن كان هناك من خصم، فليكن نظاما سياسيا، لا مذهب ديني نستضيف منه الملايين سنوياً عند بيت الله الحرام، واحتواء المكون العربي الشيعي في أي دولة عربية أولى من فتح النوافذ المذهبية لحرب تجعل أبوابنا مشرعة لاختراقات تأتي من كل جانب.
المسلمة الخامسة: أن في مذهب أهل السنة والجماعة من ولاؤه (فانتازي تراجيدي خارج هذا العالم ومكوناته السياسية) لنجدهم على امتداد العالم الإسلامي من “بوكو حرام” بأقصى أفريقيا وحتى جماعة أنصار التوحيد في إندونيسيا وبينهما يقتات التطرف الإسلامي بلون فاقع عبر “القاعدة” و”داعش” أو عبر لون بدرجة أقل لكن من النوع نفسه كما في حزب التحرير الموجود بمكاتبه في كل مكان حتى في بعض دول أوروبا وصولاً لبقايا البرامكة من الإخوان المسلمين، وعليه فإن مذهب الشيعة كذلك ليس لونا واحداً، فبداخل إيران نفسها توجد ألوان طيف من أقصى اليمين لأقصى اليسار تجاه الفكر الخميني وصولاً للإيرانيين الشيعة المعارضين لولاية الفقيه الخمينية، وسجونهم تشهد، فكيف بباقي شيعة العالم الإسلامي من شيرازيين وغيرهم.
إيران دولة جارة وعضو في رابطة العالم الإسلامي لها كيانها السياسي المعترف به من قبل هيئة الأمم المتحدة، ولها طموحها السياسي الذي تثابر في الوصول إليه، ولنا كياننا السياسي الأصيل في الأمم المتحدة أيضاً، ولنا امتيازنا الديني والجغرافي والتاريخي الذي يعطينا استحقاقات دولية لا ينازعنا فيها أحد بما فيها إيران، وإن كثر المرجفون منهم ومنَّا، فلا بد للعقلاء من مخرج سياسي يحافظ على المسافات الآمنة بين الدول، دون تفريط في حق الجوار، ودون إفراط في حق السيادة.
مع هذه المسلمات التي يعرفها كل مراقب ومتابع، لدرجة تجعل بعض المتابعين يتألمون أن هذه المسلمات تحتاج إلى إيضاح، (ومن المعضلات توضيح الواضحات)، فما الذي بقي؟
بقي الواقع اليمني الذي يحمل مخاض التغيير بكل احتمالاته، فكما كانت ثورة ظفار في عُمَان ترقص على أنغام الاشتراكية الدولية التي تسمعها من عدن كحل لشرور العالم ومظالمه، ها نحن نعيش زمناً جديداً يريد أن يستبدل الأممية الاشتراكية، بالأممية الإسلامية، كأخطاء تأبى مع التكرار تعلم الصواب، لمعرفة المستحيل والممكن، وفق مصالح رأسمالية تلبس ثوب الراهب منذ عقود، فالاستعمار الظاهر والباطن لا يقره عاقل، ولكن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، وجموع المنبتين تملأ الوطن العربي، فكيف المسير إلى مشاريع النهضة وعن يميننا عساكر ودساكر وعن يسارنا منبتون أناركيون بلحى دينية.
الشعب اليمني يحمل وعياً سياسياً عبر منطلقات قبلية تربك المتعاطي الخارجي للواقع اليمني الداخلي، فالقبيلة تحكم والدولة اليمنية تحكم، والحزب يحكم، وفق هارموني خاص يكاد يكون علامة ديموقراطية خاصة باليمن فقط، أراها بتفاؤل ويراها كثيرون غيري بتشاؤم كبير.
لا أخاف على اليمن أبداً، ولم أشعر في يوم من الأيام أن اليمن ضعيف، بل أرى في عيون اليمنيين دائماً وأبداً تحدياً يشبه وجوههم التي تجدها في كل مكان من سيلان والهند والصين وموسكو إلى اتحاد الجالية اليمنية في أوروبا وأميركا.
القوى العظمى تنظر لليمن من باب المندب وميناء عدن، ودول الجوار تنظر لليمن من باب الأخ الفقير وأولاده المزعجين، لكن كرامته تجعله يتأفف دائماً من الصدقة، فرحم الله جار الله عمر من زعيم سياسي، حاول تجنيب اليمن بعض مآسي اليوم، ليخطو اليمن نحو أحلامه بهدوء وثبات، بتحالفات داخلية تعطي اليمن الجديد أملاً يستحقه، ولكن أرادوا قتله، فمات جسده وبقيت روحه شاهدة على كلمته التاريخية قبل اغتياله، ويبقى اليمن أرضاً بكرا، تعطي كل العرب بصدق وإنصاف ما يزرعونه فيها، ولو على حساب نفسها، كدرس قاسٍ في الحكمة اليمانية، ومن يزرع الشوك لا يجني العنب.

المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23149