الرياضة.. استثمار ومحبة

آراء

قيل إن للموسيقى أثراً يتجاوز الحِكم والفلسفات، ولعل الرياضة لا تختلف عن الموسيقى في هذا المجال، لما لها من قوة تأثير إيجابية هائلة تتجاوز اللغات والثقافات.

سواء كانت الرياضات فردية أم جماعية، أولمبية أم غير أولمبية، وسواء أكان ممارسها هاوياً أم محترفاً، فجميع الرياضات والرياضيين يتكلمون لغة واحدة، تتكون حروفها من مبادئ وقيم سامية، كالنزاهة والعدالة، والتعاون والانضباط، والإصرار وروح التحدي.

ولا يقتصر أثر الرياضة على تعزيز اللياقة البدنية لممارسها فحسب، بل إنها تقوي المناعة، وتنشط الصحة العقلية، وتقوي ثقة الإنسان بنفسه وتقديره لذاته، ويعتبرها البعض «إكسير السعادة» وأفضل علاج للاكتئاب والقلق. كما أن الرياضة من أفضل وسائل الترفيه والتربية، ورافد مهم للنمو الاقتصادي من خلال ما يعرف بالسياحة الرياضية، إذ تتنافس الدول على استضافة بطولات دولية تحقق للدولة المستضيفة الكثير من العوائد على المدى القصير والبعيد. ويمتد أثر الرياضة الإيجابي أيضاً إلى متابعيها، لما تضفيه من أجواء حماسية وممتعة أثناء متابعة المنافسات.

وتعرف الرياضة كأداة لنشر قيم السلام والتقارب بين الشعوب لقدرتها على تخطي حدود الثقافات، وأكبر مثال على ذلك مشاركة أكثر من 200 دولة في الألعاب الأولمبية، أكبر مسابقة رياضية على مستوى العالم، يلتقي فيها الرياضيون ويتنافسون بغض النظر عن العلاقة السياسية بين دولهم وبين المتسابق المنافس أو الدولة المستضيفة.

ولأن الرياضة يمكن أن تكون أداة للتغيير في هذا العالم، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس 2013 إعلان يوم 6 إبريل يوماً دولياً للرياضة من أجل التنمية والسلام، كما أسست مكتب الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام، والذي يقوم بتدريب وتمكين القيادات الشبابية من استخدام الرياضة كأداة للتقدم، وذلك من خلال تعليم التلاميذ القيم الرئيسية للرياضة، كروح الفريق، واللعب النظيف، واحترام القواعد والآخرين، والتعاون والانضباط والتسامح. إذ تعتبر هذه المهارات أساسية للمشاركة في الأنشطة الجماعية وللحياة المهنية، ويمكن أن تحفز التماسك داخل المجتمعات المحلية والمجتمعات الأوسع نطاقاً.

وفي كلمة لويلفريد ليمكي، المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام، قال: «رغم التحديات ستظل القوة الإيجابية الهائلة التي تتسم بها الرياضة وسيظل الشغف الهائل بها يوحد بين الناس، بحيث يعملان على جعل العالم أكثر شمولاً للجميع وأكثر سلمية من خلال ما ينطويان عليه من قيم ومبادئ عالمية».

يمكن للرياضة أن تكون أداة تغيير في العالم وجسراً للتسامح إذا منحناها جزءاً من تفكيرنا وخبراتنا، ولذلك يتعين أن تتجه الأفكار إلى الاستثمار في الرياضة كرسالة سلام وازدهار وتنمية، لما لها من أثر إيجابي في مختلف الفئات العمرية والثقافية، سواء على مستوى دعم الهواة أو تأهيل ودعم المحترفين، أو من خلال تخصيص جانب من مساهمات المسؤولية الاجتماعية لدعم الرياضة، كأن نوجه بعض الجهود المبذولة في الأعمال الخيرية والمخصصات المالية إلى المساهمة في إسعاد الأطفال والشباب في المجتمعات الأقل حظاً، من خلال تأهيلهم رياضياً ومنحهم الأدوات اللازمة، وتوفير مراكز تمكّنهم من بناء مستقبل واعد.

وفي دولة الإمارات لنا في ماراثون زايد الخيري خير مثال على السعي لتثبيت دعائم الرياضة بوصفها رسالة تسامح، وتأصيل فكرة أن الرياضة هي عنصر وحدة للشعوب وجسر الإنسانية المشترك لمستقبل أفضل.

المصدر: الخليج